الراي نيوز- سبق للرئيس عبد المجيد تبون أن قام بزيارات عديدة لعدد من الدول منها تركيا وإيطاليا والبرتغال، وكانت كلها مصحوبة بتغطية إعلامية هامة، لكن زيارته إلى روسيا تفردت بتركيز إعلامي وطني وأجنبي واسع، وتحليلات من مختلف الزوايا، فضلا عن المتابعة الشعبية والحزبية داخل الوطن، وما يلفت أيضا تلك المخاوف وأحيانا الإفتراءات التي صاحبت المحللين في وسائل الإعلام الغربية. هذا المقال رحلة في الدلالات والأبعاد وقراءة في النتائج ودحض للإفتراءات.
الظروف المحيطة بالزيارة
قام الرئيس عبد المجيد تبون بزيارة دولة إلى فدرالية روسيا استغرقت 4 أيام في الفترة من 13- 16 يونيو 2023 بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، شارك خلالها في منتدى سانت بطرسبورغ العالمي كضيف شرف، وكان مصحوبا بعدد من الوزراء و70 رجل أعمال، وفي العمل السياسي يلعب التوقيت دورا مهما في التحليل لفهم الخلفيات والدلالات والنتائج، ويمكن الإشارة هنا إلى أهم العناصر التي منحت الزيارة كل ذلك الزخم والإهتمام:
1 – تعيش روسيا حالة حرب مع جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، وبسببها التف الغرب مدعما أوكرانيا بكل الوسائل العسكرية والدبلوماسية والإعلامية، وفارضا حصارا وعقوبات على روسيا، ولا ينظر بعين الإرتياح للدول التي تتعامل مع بموسكو بحجة دعمها في حربها ضد أوكرانيا، ما يجعل أي زيارة دولة من أي كان تكتسي دلالة خاصة، وتعكس شخصية الدولة وشخصية رئيس الدولة.
2 – جاءت زيارة الرئيس تبون لروسيا بعد تأجيل الزيارة التي كانت مقررة لفرنسا يومي 1و2 مايو 2023، ولم يتم الإعلان لا من باريس ولا من الجزائر عن سبب تأجيلها، ويؤشر ذلك إلى تعزيز التوجه نحو الشرق، بكل ما له من مغزى، خاصة أن الرئيس تبون سبق له التصريح بأنه “سيزور باريس لكن ليس قبل زيارة موسكو”.
3 – تمت الزيارة قبل شهرين من قمة جوهنسبورغ بجنوب إفريقيا لمجموعة البريكس التي تقدمت الجزائر بطلب العضوية فيها، وقد سوّق الرئيس تبون لذلك بصوت مرتفع في موسكو، الأمر الذي قد يجعل ملف الجزائر في وضعية أريحية.
4 – حل الرئيس تبون بموسكو غداة فوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي بتصويت 184 عضوا من أصل 193، ما يعني أن الجزائر انتزعت مكانة مؤثرة في المركز الدولي لصناعة القرار.
ستة عوامل لزيارة ناجحة
كان لابد أن يكون لتلك الظروف والعوامل التي شرحناها أعلاه دور في نجاح الزيارة أو فشلها، وهكذا، في خضمها، تمكنت زيارة تبون لروسيا، من تحقيق أهدافها بالنسبة للجزائر، بالنظر لمجراها ومخرجاتها وظروفها، فكانت ناجحة بكل المعايير، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باستقبال وصفته “أرتي الروسية” بالإستقبال “المهيب“، يعكس أهمية العلاقات بين البلدين ومكانة الجزائر لدى روسيا، ومكانة روسيا لدى الجزائر، ومن جهته لم يتردد الرئيس الروسي في وصف عبد المجيد تبون بالرئيس الزعيم”. وقد لعبت عدة عوامل دورا مؤثرا في نجاح الزيارة أهمها ما يلي:
1 – وضوح الرؤية بالنسبة للرئيس تبون بخصوص القرارات السياسية والإقتصادية التي يتخذها لصالح الجزائر، حيث شرح الرئيس تبون بوضوح وفعالية أهداف الجزائر الاقتصادية والسياسية.
2– شخصية الرئيس تبون المقدامة والثابتة، مكنته من عدم الرضوخ للظروف، لذلك وفيما يشبه الرد على ضغوطات قد تمارسها الدول الغربية، قال الرئيس تبون أن الضغوطات والأوضاع الدولية لا تؤثر على الصداقة الموجودة بين الجزائر وروسيا طيلة 60 سنة، معتبرا أن التشاور مع الأصدقاء ضروري في كل الظروف فيما يخص كل النقاط المشتركة. وفما يشبه التحدي، أوضح الرئيس تبون أن “الشعب الجزائري ولد حرا، وسيبقى حرا.” ويعد هذان العاملان بالنسبة لعلماء النفس الإجتماعي أهم صفات القادة.
3 – لعب العامل التاريخي أيضا دورا إيجابيا، حيث تتسم العلاقات بين روسيا والجزائر بالثقة العالية والتعاون الإيجابي، وتعززت العلاقات أكثر خلال جائحة كورونا، حيث وقفت روسيا إلى جانب الجزائر من خلال منحها الأولوية في “لقاح سبوتنيك”، من جهتها لم تساير الجزائر الإجراءات الغربية لفرض عقوبات على روسيا، فامتنعت عن التصويت” في الأمم المتحدة، فضلا عن موقفها المؤيد لروسيا في مجلس حقوق الإنسان الأممي بجينيف.
وتشير بيانات جزائرية وروسية أن الجزائر تعتبر ثاني شريك تجاري لروسيا في القارة الإفريقية، بحجم مبادلات قاربت 3 مليارات دولار في 2021.
وتعتبر الجزائر وروسيا من أعضاء تحالف “أوبك+” الذي انطلقت لبنته الأولى في اجتماع سبتمبر 2016 بالجزائر العاصمة.
وخلال العشرين سنة الأخيرة، شهدت العلاقات الثنائية تبادلا رفيعا في الزيارات مثل زيارة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لموسكو عام 2001، والتي تم خلالها التوقيع على “إعلان الشراكة الاستراتيجية”، وفي عام 2006 زار بوتين الجزائر، ثم قام الرئيس بوتفليقة بزيارة ثانية إلى روسيا عام 2008، وردت روسيا الزيارة بزيارة للرئيس ديميتري ميدفيديف عام 2010، أما على مستوى وزراء الخارجية ووزراء آخرين، ومسؤولي عسكريين، فتمت العديد من الزيارات واللقاءات.
4– ولا يمكن أن ننسى بأي حال التعاون العسكري كعامل رئيسي في نجاح الزيارة، حيث ظل قاطرة للتعاون بين البلدين، من حيث اقتناء الأسلحة والتدريب والمناورات المشتركة.
وبحسب تقرير معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام، الصادر في مارس 2023، تعد الجزائر ثالث مستورد عالمي للسلاح الروسي، بعد الهند والصين، فيما تعتبر موسكو أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50، وتفوق 73 بالمئة حسب مصادر أخرى.
5– جاءت الزيارة بعد نجاح الجزائر في الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن للفترة 2024-2025 ، وعضوية مجلس حقوق الإنسان الأممي بجينيف للفترة 2023-2024. وروسيا تحتاج وجود الجزائر في هذين المقعدين في مثل هذه الظروف الدولية المعقدة، مما عزز موقع الجزائر بالنسبة لروسيا،.
6 – كذلك لعبت بعض العوامل الخارجية دورا مساهما في نجاح الزيارة، تتمثل أهمها في عودة الاهتمام الروسي بالقارة الإفريقية، وهي تبحث عن دول ركائز في القارة، وبدون شك فإن الجزائر بالنسبة لروسيا في موقع الأفضلية بالنسبة لموقعها في القارة، ولإطلالتها على حوض المتوسط.
وهكذا أصبحت زيارة الرئيس تبون لموسكو مشحونة بالدلالات كما نوضحه فيما يلي.
استقلالية القرار الجزائري
من خلال هذه الزيارة بظروفها ومخرجاتها، تمكن الرئيس تبون من تسويق الجزائر كدولة تملك قرارها السيادي، ولا تبالي بأي ضغط دولي يسعى لفرض رؤيته عليها في علاقتها الدولية، وهو ما يزيد في ارتفاع شعبية الرئيس تبون قبل سنة ونصف عن نهاية عهدته الأولى.
وتقريبا، هو ذات الموقف الذي سبق للجزائر أن اتخذته بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، حيث بادرت بإرسال مساعدات إنسانية لسوريا عبر طائرات شحن عسكرية رغم الحصار الغربي المفروض عليها طبقا لقانون “غاتسا”، وهو ما لقي استحسانا وتجاوبا شعبيا واسعا.
كذلك، لم تخضع الجزائر للضغوطات الغربية، وصوتت بكل سيادة لصالح روسيا في مجلس حقوق الإنسان الأممي بجينيف، كما التزمت الحياد في الأمم المتحدة خلال تصويت يدين روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
انتقال الشراكة إلى مستوى نوعي
من أهم مخرجات الزيارة، التوقيع عن “إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة” و8 اتفاقيات تعاون، ويهدف الاتفاق إلى تطوير “إعلان التعاون الاستراتيجي” الموقع بين البلدين في عام 2001 في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ليصبح اتفاق شراكة استراتيجية معمق يشمل قطاعات اقتصادية وزراعية وأمنية وسياحية وبيئية وصحية وقطاعات أخرى.
وكان رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين قد صرّح بعد لقائه مع الرئيس تبون: “أن التوقيع على الاتفاق الإستراتيجي المعمق سيكون بمثابة انتقال التعاون الروسي الجزائري إلى مستوى نوعي جديد، وستعمل حكومتا روسيا والجزائر على ضمان العمل المنسق لتنفيذ الاتفاقات التي سيتم التوصل إليها على أعلى مستوى.”
غير أن مخرجات “إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمق” ستظهر لاحقا، فقد أدى الرئيس ما عليه، وتبقى الكرة في ملعب الحكومة والفاعلين الإقتصاديين الجزائريين.
وعلى سبيل المثال فقط، تسعى الجزائر لتطوير الزراعة الصحراوية كي تتحول لدولة مصدره بعد تحقيق الإكتفاء في عدة منتوجات باستثناء القمح على وجه الخصوص.
وتجرى المراهنة على التجربة الروسية في المجال الزراعي، ليتم تطوير الإنتاج الزراعي الجزائري بالشراكة ويتم تصدير المنتوجات إلى روسيا أولا، ذلك أن روسيا تستورد المنتوجات الزراعية الطازجة بسبب برودة الطقس، ويتم الإستيراد أساسا من تركيا ودول أوروبا الغربية لاسيما إسبانيا، وبسبب الحرب الأوكرانية، وحصارها من طرف الغرب، يمكن أن تتحول الجزائر إلى مصدر رئيسي للمواد الزراعية الطازجة إلى روسيا. كما يمكن تطوير الصناعات التحويلية، وصناعة السيارات والأدوية بالشراكة أيضا.
ويمكن فهم “تعميق” إعلان التعاون الإستراتيجي”، على أن الرئيس تبون وفي ظرف وجيز، قد تمكن من وضع الجزائر على سكة الدول المحورية في القارة الإفريقية والشرق الأوسط وحوض المتوسط.
دلالات “التعجيل في دخول البريكس”
أصبح الحديث عن “البريكس” بمثابة الموضة في الجزائر، حيث بتاريخ 31 يوليو 2021 في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، أثار الرئيس عبد المجيد تبون مسألة انضمام الجزائر إلى هذه المجموعة، وقال الرئيس تبون حينذاك إن مجموعة البريكس تهم الجزائر بالنظر لكونها قوة اقتصادية وسياسية” معتبراً أن انضمام الجزائر إليها من شأنه أن يبعدها عن “تجاذب القطبين”.وأضاف أن “الجزائر تتوفر على نسبة كبيرة من الشروط التي تمكنها من الإنضمام إليها “.
وقبل ذلك، وبتاريخ 24 يونيو 2022 شارك الرئيس تبون في قمة البريكس عن بعد، ورافع خلالها عن ضرورة السعي نحو إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول والذي ظلت الجزائر ترافع من أجله منذ السبعينيات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
وتعتبر قضية الانضمام لـ”بريكس” أساسية بالنسبة للرئيس تبون، إذ يجري الرهان عليها للمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد وجلب رؤوس أموال وتطوير مختلف القطاعات.
كذلك، تراهن الجزائر على عضويتها لتخفيض الاعتماد على المحروقات كمصدر أساسي للدخل القومي، متشجعة بتحقيق 7 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات خلال عام 2022، وتعمل على رفع هذا الرقم إلى 13 مليار في السنوات القادمة.
وتأكيدا على هذا التوجه، وجّه الرئيس عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع الولاة عام 2022 الحكومة “لرفع الدخل القومي بشكل يمكن البلاد من الانضمام إلى المجموعة، لذلك يجري العمل على بلوغ 200 مليار دولار.
فكان طبيعيا ومنطقيا، أن يؤكد الرئيس عبد المجيد تبون في كلمة له خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي كلمته في المنتدى الاقتصادي بسانت بطرسبورغ “أن الجزائر تريد التعجيل في دخول منظمة بريكس” بالقول:” في خضم الوضع الدولي المضطرب جدا تريد الجزائر التعجيل بدخولها إلى مجموعة بركيس والخروج من هيمنة الأورو والدولار.”
وأراد الرئيس الجزائري أن يضغط على أهم دولة في مجموعة البريكس بقوله “نريد التعجيل في الإنضمام” بسبب انعقاد قمة البريكس شهر أغسطس 2023 القادم بجنوب إفريقيا.
ومن حق الرئيس أن يضغط، لأن المكان الطبيعي للجزائر هي مجموعة البريكس، خلافا لكثير من الدول التي طلبت العضوية مؤخرا. لكن رغم ذلك، فإن المجموعة تجد نفسها مجبرة لوضع معايير للإنضمام، لذلك يبدو أن قمة جوهنسبورغ القادمة ستكون قمة لوضع المعايير وشروط الإنضمام.
وليس مستبعدا أن تبعث المجموعة مؤشرا عمليا لرغبتها في التوسع والإنفتاح، بإعلان عضوية الجزائر كعضو مراقب، وهذا هو هدف الرئيس تبون، وتلكم هي دلالة “التعجيل بدخول البريكس”.
دلالات موسكو قبل باريس
معلوم أن الرئيس عبد المجيد تبون قد تلقى الدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة روسيا، ومعلوم أيضا أن الرئيس تبون صرح بأنه سيزور فرنسا لكن ليس قبل زيارة روسيا.
إن هذا التصريح في حد ذاته يحمل عدة دلالات أهمها أن عصر التبعية والخنوع لفرنسا قد ولى، وأن تبون يعمل على تحقيق مصالح الجزائر أولا وقبل كل شيء، وحيثما كانت مصلحة الجزائر فثمة شرع الله، إذا جاز لنا أن نستعير القاعدة الفقهية.
لكن كادت زيارة فرنسا أن تكون قبل زيارة روسيا ، لأن أجندة الرئيس بوتين كانت مكثفة للغاية، حيث تعيش بلاده حالة حرب، وليست الجزائر هي التي تتحكم في أجندة الكرملين، لذلك تأخرت زيارة الرئيس تبون لروسيا، وكان ممكنا أن تأتي بعد زيارة باريس، وهو ما أثار الجدل حول تأخرها، وانطلقت ألسنة السوء معلقة وقادحة، بادعاءات متعددة.
وفي خضم هذا التأخير، تقررت زيارة الرئيس تبون لباريس يومي 1و2 مايو 2023، لكنها لم تلبث أن تأجلت هي الأخرى لموعد غير معلوم، لأسباب بعضها معروف مثل الإضرابات العمالية التي كانت مقررة في فرنسا في الفاتح مايو بمناسبة العيد العالمي للعمال، وبعضها لم ينكشف، وقد يكون هناك توتر كامن في العلاقات بين البلدين.
وشاء ربك، أن يزور الرئيس تبون موسكو قبل باريس، ولو حدث العكس، لأطلقت ألسنة السوء أقلامها باتهامات لا أول لها ولا آخر طاعنة في نوايا الرجل والنظام ككل ومثيرة للفتنة البينية.
ولحد الآن، من الصعب التنبؤ بموعد زيارة تبون لباريس، بسبب بعض المتغيرات السياسية الخاصة بفرنسا، لكنها مؤثرة على العلاقات مع الجزائرأهمها:
1 – تصويت نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالبرلمان الأوروبي يوم 11 مايو2023 الماضي، على لائحة تنتقد وضع حقوق الإنسان في الجزائر.
2 – السعي لمراجعة اتفاقية 1968 للهجرة بين الجزائر وفرنسا، وما صاحبه من نقاش حول الهجرة والعلاقات الثنائية. وقد انخرط في ذلك وزراء سابقين مثل رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب.
3- نشر صحف جزائرية نهاية مايو 2023 الماضي خبرا حول تخطيط أجهزة الاستخبارات الفرنسية والمغربية والإسرائيلية لزعزعة استقرار الجزائر.
4 – الإنتقادات التي وجهتها جهات فرنسية لتوقيع الرئيس عبد المجيد تبون مرسوما رئاسيا يقضي بضرورة اعتماد النشيد الوطني الجزائري كاملا بمقاطعه الخمسة. وعادة ما يثير المقطع الثالث: ” يا فرنسا قد مضى وقت العتاب..” الفكر الكولونيالي الفرنسي.
وهكذا يمكن القول أن هناك عدة عقبات تعترض تنظيم زيارة تبون لاباريس قبل نهاية 2023، وهو الأمر الذي لم يكن لا مع روسيا، ولا إيطاليا، ولا البرتغال، ولا تركيا، ولا غيرهم.
دحض الادعاءات الغربية غير مبررة
لم تمر زيارة الرئيس تبون لروسيا، دون أن تلفت اهتمام المحللين السياسيين والإعلاميين لاسيما في الدول الغربية، التي أصبحت تتحسس لتطور أي علاقة مع موسكو، بحجة أن ذلك يساعد في إفشال الخطة الغربية لعزلة موسكو سياسيا وإضعافها اقتصاديا واستنزافها عسكريا.
والرئيس الجزائري يدرك ذلك تماما، لذلك صرح “أن زيارته لروسيا تأتي في ظروف صعبة، لكن الجزائر لن تتخلى عن صداقتها مع روسيا التي دعمت الجزائر خلال الثورة التحريرية مهما كانت الظروف.”
وفي مؤتمر سانت بطرسبورغ، وردا على سؤال حول الضغوط الغربية المحتملة على الجزائر بسبب هذه الزيارة، قال الرئيس الجزائري أن “الشعب الجزائري ولد حرا، وسيبقى حرا.”
غير أن كثيرا من المحللين يتوقعون زيادة منسوب الضغط الغربي على الجزائر، بأشكال مختلفة، لاسيما في حال ما إذا فشلت روسيا في حربها في أوكرانيا.
غير أن الجزائر تمتلك العديد من العوامل السياسية للرد على ضغوطات محتملة ، منها أن الجزائر ملتزمة بنهج عدم الإنحياز، فهي وأن لم تصوت ضد روسيا في الأمم المتحدة، فهي امتنعت عن التصويت في إشارة إلى الحياد، وقدمت نفسها لتلعب دور الوسيط في الأزمة الروسية الأوكرانية كإشارة لالتزامها الحياد.
ثم رغم الأزمة الأوكرانية، ورغم اتهامها بالإنحياز لروسيا، فهي لم تخل بالتزاماتها الطاقوية تجاه أوروبا، بما في ذلك إسبانيا التي تدهورت علاقاتها الدبلوماسية معها بسبب تغير موقف مدريد من الصحراء الغربية.
والأكثر من ذلك أنها عززت علاقاتها مع عدة دول أوروبية وعلى رأسها إيطاليا والبرتغال. ما يعني أن اتهامها بالإنحياز أو بالتحالف مع روسيا ليس سوى بهتانا مؤكدا، لأن ذلك التوجه ليس سوى دفاعا عن مصالح الجزائر كما تفعل أي دولة في العالم.
وبالمقابل، هناك عدة دول حليفة لواشنطن تنتهج حاليا نهج الإنفتاح السياسي والإقتصادي مع روسيا والصين، مثل دول الخليج وعلى رأسها السعودية، من خلال تحسين العلاقات السياسية والإقتصادية بموجب “أوبيك+”.
وبالتالي فإن اتهام الجزائر بالتحيز لروسيا لا مبرر له، خاصة أن علاقاتها معها طبيعية وتاريخية ممتازة.
تعدد الأقطاب يساوي تعدد العملات
كذلك، جاء تصريح الرئيس الجزائري في موسكو حول هيمنة اليورو والدولار على التعاملات الدولية، متماشيا مع الفكر السياسي الجزائري المطالب بإصلاح المنظومة العالمية وعلى رأسها مجلس الأمن، وأن موقف الجزائر التاريخي منذ السبعينيات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين يطالب بخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وبالتالي متعدد العملات، وليس هدفها تكسير هيمنة الدولار واليورو، أو التخلي عن استخدامهما، وهو ذات الموقف الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدى سانت بطرسبورغ.
ثم هناك حاليا توجها عالميا نحو التعامل بالعملات الوطنية للدول، وقد أشاد الرئيس تبون بقوة بعض العملات العربية مثل العملة السعودية والكويتية والإماراتية، وتمنى الوصول نحو عملة عربية، وهو طموح مشروع على غرار ما فعلت أوروبا، وتسعى إليه منظمة البريكس.
ثم لابد من الإشارة لتركيا وهي ثاني أهم دولة في الحلف الأطلسي وقد أصبحت تتعامل باليوان الصيني والروبل الروسي، وهناك لافتة كبيرة في مطار إسطنبول تستقبلك بالقول:”نستعمل الروبل”، وبالتالي ليس هناك أي مبرر لمعاملة الجزائر عكس معاملة الدول الأخرى.
تجنب الحديث عن العلاقات العسكرية
تجنبا لإحراج الغرب، وتوخيا لأي ضغط غربي محتمل، خاصة بعد استغلال ملف التعاون العسكري الجزائري مع روسيا من قبل نواب في الكونغرس الأمريكي في خضم الصراع الروسي مع الغرب، لم يتم التطرق خلال هذه الزيارة لتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، رغم أن قانون المالية الجزائري لعام 2023 خصص مبلغ 22 مليار دولار للدفاع، وهي حكمة في إدارة العلاقات والمصالح تفند ادعاءات اصطفاف الجزائر “ضد الغرب”.
المحصلة
مهما كانت التحليلات فإننا نلاحظ في عالم اليوم أن العلاقات الدولية أصبحت ترتقي لمستوى التحالفات، ومن حق أي دولة تطوير علاقاتها مع أي دولة ترى أنها تحقق مصالحها، مثلما تفعل معظم دول أوروبا الشرقية التي طالبت بالإنضمام للإتحاد الأوروبي أو لحلف الناتو.
والجزائر التي تربطها علاقات ممتازة مع العديد من الدول الغربية، تعمل على بناء علاقات متوازنة مع الجميع بما في ذلك روسيا، مثلما تفعل تركيا وهي عضو في حلف الناتو، وأقدمت على شراء منظومة صواريخ أس 400 وطالبت لكي تكون شريكا في إنتاج أس 500 رغم معارضة الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة.
لقد نجح الرئيس تبون بقراراته في تثوير العلاقات الدولية للجزائر، ورسم برؤية واضحة أهداف الجزائر، ويتخذ بكل سيادة وشجاعة القرارات السيادية، وهو ما يرفع بكل تأكيد، رصيده الشعبي، قبل عام ونصف من نهاية عهدته الأولى.