بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الأمين
السيدات والسادة أعضاء أسرة الإعلام الوطنية والدولية،
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
1- أشكركم جزيل الشكر على تلبيتكم الدعوة وعلى حضوركم في هذا اللقاء الذي يجمعنا اليوم حول ما طرأ من تطورات خطيرة في جوارنا المباشر، وأعني بذلك منطقة الساحل عامة وجمهورية النيجر الشقيقة تحديداً:
– وهي الدولة التي كادت أن تنفرد في المنطقة من حيث إرساء قواعد الديمقراطية ودولة الحق والقانون، من خلال نجاحها في تحقيق أول انتقال ديمقراطي للسلطة بين رئيسين منتخبين في السنوات الأخيرة.
– وهي الدولة التي كونت لدى الجميع قناعة أنها أدارت ظهرها نهائيا لعهد الانقلابات العسكرية التي عرفت في تاريخها خمسة منها.
– وهي الدولة التي كانت تنعم على خلاف جوارها باستقرار أمني ومؤسساتي لافت.
– وهي أخيراً الدولة التي شرعت في شق طريقها نحو التنمية والرفاه بعدما كانت تُحسب في تعداد الدول الأكثر فقرا في العالم.
2- وها هي النيجر الشقيقة وللأسف تعود إلى كابوس الانقلابات الذي كنا نظن أن عهده قد ولى وأن صفحته قد طويت نهائياً. وبهذا يكون النيجر الشقيق قد دخل من جديد في أزمة سياسية ودستورية ومؤسساتية.
3- ومن اللحظة الأولى لنشوب هذه الأزمة، حدد السيد رئيس الجمهورية موقف الجزائر منها بكل وضوح ودقة وصرامة، بتشخيصه لروافدها الأساسية على النحو التالي:
– أولاً، إدانة ورفض التغيير غير الدستوري في النيجر، تماشياً مع مقتضيات الإطار القانوني الإفريقي الذي يَحْظُرُ ويرفض التغييرات غير الدستورية للحكومات.
– ثانياً، المطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري واحترام المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
– ثالثا، الـتأكيد على أن السيد محمد بازوم يبقى الرئيس الشرعي للبلاد والدعوة إلى تمكينه من استئناف مهامه بصفته الرئيس الشرعي المنتخب للنيجر.
– رابعا، التأكيد على حتمية إعطاء الأولوية للحل السياسي واستبعاد خيار اللجوء للقوة بالنظر لما قد يفضي إليه هذا الخيار من عواقب وخيمة على النيجر وعلى المنطقة برمتها.
– خامساً وأخيرا، الـتأكيد على استعداد الجزائر ورغبتها في المساهمة في الجهود الرامية لبلورة الحل السياسي المنشود لإنهاء الأزمة في النيجر.
4- إن السمة الرئيسية للموقف الجزائري حول الأزمة في النيجر، تتمثل في كونه يجمع بطريقة حكيمة ورصينة بين رفض أمرين اثنين: رفض التغيير غير الدستوري ورفض اللجوء إلى القوة لمعالجة الأزمة الناتجة عنه. فقناعتنا تبقى راسخة أن الحل الوسط بين الأمرين لا يمكن أن يكون إلا عن طريق العمل على توفير الشروط الضرورية لإطلاق مسار سياسي ينهي الأزمة وفق ما تمليه المصلحة العليا للنيجر وشعبه الشقيق وكذا مصالح كافة دول وشعوب المنطقة.
5- بناءً على هذا الموقف، وبتوجيه مباشر من السيد رئيس الجمهورية وتحت متابعته الدائمة، فقد بادرت الجزائر بإجراء اتصالات ومشاورات مع مختلف الأطراف الفاعلة سواء داخل النيجر أو خارجه، للمساهمة في تهدئة الأوضاع وتشجيع التفاف الجميع حول الخيار السياسي بصفته الحل الأمثل لإنهاء الأزمة ودرءِ أخطارها على النيجر وعلى المنطقة.
6- وقد شملت هذه التحركات الدبلوماسية:
– أولا، الاتصال الذي أجريته شخصياً بتكليف من السيد رئيس الجمهورية مع وزير خارجية جمهورية النيجر، في اليوم الأول للانقلاب العسكري، حيث أكدت للوزير رفض الجزائر التام للانقلاب وتضامنها الكامل مع الرئيس الشرعي للبلاد، السيد محمد بازوم، الذي نطالب بإخلاء سبيله وتمكينه من ممارسة مهامه بصفته الرئيس الشرعي للبلاد.
– ثانيا، المشاورات التي أجراها السيد رئيس الجمهورية مع قادة كل من نيجيريا والبنين، عن طريق المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا والاتصال الهاتفي الذي تلقاه من رئيس جمهورية البنين.
– ثالثا، الاتصالات التي أجراها سفيرنا بنيامي بتعليمات من السيد رئيس الجمهورية مع عديد المسؤولين الحاليين والسابقين في النيجر، بما في ذلك، مرتكبي الانقلاب العسكري، وأعلى مستويات قيادته.
– رابعا، المباحثات التي أجريتها شخصيا مع كاتب الدولة الأمريكي وكذا مع وزراء خارجية كل من إيطاليا وكندا.
– خامسا وأخيرا، المبادرة التي اتخذها السيد رئيس الجمهورية منتصف الأسبوع المنصرم بإيفاد مبعوثين خاصين له لكل من النيجر، من جهة، وثلاث دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، من جهة أخرى، وهي: نيجيريا والبنين وغانا.
7- وكان الهدف الرئيسي من هذه الاتصالات والمشاورات هو بناء زخم إقليمي ودولي حول الخيار السياسي لحل الأزمة القائمة في النيجر، واستبعاد خيار اللجوء لاستعمال القوة. ألا تؤمن الحكمة الافريقية بأنه: “لم يكن هناك أبداً حرب جيدة أو سلم سيئ” Il n’y a jamais eu de bonne guerre, ni de mauvaise paix
8- إن مبعث معارضتنا الشديدة لخيار اللجوء إلى استعمال القوة لحل الأزمة في النيجر يكمن في التداعيات الخطيرة والوخيمة والأكيدة التي سيخلفها أي تدخل عسكري على النيجر وعلى المنطقة برمتها، فضلاً عن انعدام فرص نجاح هذا الخيار في تحقيق الأهداف المنشودة.
9- ولا شك أن تاريخ منطقتنا حافل بالتجارب المريرة التي أثبتت ولا تزال الآثار الكارثية التي تولدت عن التدخلات العسكرية. ولنا في العراق وسوريا وليبيا والصومال ما يكفي من العبر والدروس التي يتوجب الاحتكام إليها لنستلهم منها ضبط النفس وتوخي الحذر والتحلي بالصبر في التعامل مع الأزمة الحالية في النيجر.
10- وبناءً على صلابة هذه القناعات، فقد حذرت الجزائر أشقاءها في المنطقة وشركاءها عبر العالم، من مغبة تغليب منطق القوة على منطق الحل السياسي، ومن المجازفة بتغذية بذور صراع طائفي يلوح في الأفق، ومن الدفع بجحافل من النيجيريين على طريق النزوح والهجرة، ومن الخطر المحدق بتدشين بؤرة صراع جديد في المنطقة تشكل حاضنة إضافية للإرهاب والجريمة المنظمة بجميع أشكالها وتفتح باب المجهول واللامحسوب على مصرعيه أمام النيجر وأمام المنطقة برمتها.
11- وَأصْدُقُكُمْ القول أن تحفظاتِنا وانشغالاتِنا وتخوفاتِنا كانت متقاسمةً على صعيد واسع، سواء من قبل الدول الشقيقة الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، أو من قبل الدول الصديقة خارج القارة الافريقية. وهذا ما شجعنا على المضي قدماً في هذا المسار وطرح أفكار جديدة نأمل من أعماق قلوبنا أن تسهل الوصول إلى حل سياسي يحفظ وحدة وسيادة وأمن واستقرار النيجر ويجنبنا، لا قدر الله، خيار سفك الأرواح وزرع الخراب والدمار.
12- ومن هذا المنطلق، وعلى ضوء المشاورات والاتصالات التي أشرت إليها سابقا، وبعد قيامه بحوصلة وتقييم لها، ارتأى السيد رئيس الجمهورية، أن يتقدم بمبادرة حل سياسي للأزمة في النيجر في إطار رؤية تضمن احترام مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية، من جهة، وتحقق التفاف الجميع حول الخيار السلمي بعيدا عن أي تدخل عسكري، من جهة أخرى.
13- وكتوطئة أراها مفيدة للإلمام بالقناعات والمقاصد والمرامي التي أسست لهذه المبادرة، أود أن أشير إلى البعض من خلفياتها:
– الخلفية الـأولى: هي أن رئيس الجمهورية أراد من خلال هذه المبادرة أن يثبت أن الحل السياسي ممكن.
– الخلفية الثانية: هي أن رئيس الجمهورية قرر الإعلان عن هذه المبادرة وعرضها على المجتمع الدولي بدافع الشفافية وحشد الدعم لها.
– الخلفية الثالثة: هي أن رئيس الجمهورية أضفى طابع المرونة على مقترحه لتمكينه من استيعاب كل فرص الاجتهاد أيا كان مصدرها لإثرائه وتقوية فرص الالتفاف حوله.
– الخلفية الرابعة: هي أن رئيس الجمهورية ارتأى وضع حل الأزمة القائمة في النيجر في إطار أوسع وهو الإطار الإقليمي في الساحل.
– الخلفية الخامسة والأخيرة: هي أن هذا المقترح مفتوح للتشاور مع كافة الأشقاء والشركاء الراغبين والعازمين على الإسهام في حل الأزمة في النيجر.
14- وتتجسد مبادرة السيد رئيس الجمهورية في ستة محاور، بإمكاني تقديمها لكم على النحو التالي:
– أولا: تعزيز مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية: إن الجزائر تعتبر نفسها الحافظ المعنوي والحافظ السياسي والحافظ الأخلاقي لمبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية للسلطة في افريقيا، كون هذا المبدأ قُنِّنَ ورُسِّخَ على أرضها الطيبة في القمة الافريقية لسنة 1999. واعتباراً لذلك، فإن الجزائر ستبادر خلال القمة المقبلة للاتحاد الإفريقي بتقديم مقترحات من شأنها تعزيز هذا المبدأ وآليات تجسيده وتكريسه على أرض الواقع لوضع حد نهائي لعهد الانقلابات الذي طالما رهن استقرار العديد من بلدان القارة وحال دون تحقيق التنمية والتطور فيها.
– ثانيا: تحديد فترة زمنية مدتها ستة أشهر لبلورة وتحقيق حل سياسي يضمن العودة إلى النظام الدستوري والديمقراطي في النيجر عبر معاودة العمل السياسي في إطار دولة الحق والقانون.
– ثالثا: الترتيبات السياسية للخروج من الأزمة: Les arrangements politiques de sortie de crise
إن هدف هذا المسار هو صياغة ترتيبات سياسية بمشاركة وموافقة جميع الأطراف في النيجر دون إقصاء لأي جهة مهما كانت، على أن لا تتجاوز مدّة هذه الترتيبات ستة (06) أشهر مثلما سبق ذكره، وتكون تحت إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر وتفضي إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد.
– رابعاُ: الضمانات: ستعتمد المقاربة السياسية المقترحة من طرف الجزائر على تقديم الضمانات الكافية لكل الأطراف بما يكفل ديمومة الحل السياسي وقبوله من طرف كافة الفاعلين في الأزمة وفي مسار حلها.
– خامسا: المقاربة التشاركية: فمن أجل ضبط هذه الترتيبات السياسية ستقوم الجزائر بمباشرة اتصالات ومشاورات حثيثة مع كل الأطراف المعنية التي يمكن أن تساهم وأن تساعد في حل الأزمة سياسيا أو تدعم المساعي الرامية لذلك. وستكون هذه الاتصالات في ثلاثة إتجاهات:
• الاتجاه الأول: داخليا، مع جميع الأطراف المعنية والفاعلة في النيجر،
• الاتجاه الثاني: جهوياً، مع دول الجوار والدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وخاصة نيجيريا بصفتها الرئيس الحالي للمجموعة،
• الاتجاه الثالث: دولياً، مع البلدان التي ترغب في دعم المساعي الرامية لإيجاد مخرج سلمي للأزمة.
– سادسا، وأخيرا: تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل: حيث ستسعى الجزائر إلى تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل بهدف تشجيع المقاربة التنموية وحشد التمويلات اللازمة لتنفيذ برامج تنموية في هذه المنطقة التي هي أحوج ما تكون إلى البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن الاستقرار والأمن بصفة مستدامة.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
15- لم أجد أحسن وأفضل ما أختتم به هذه المداخلة من مثل إفريقي آخر، يقول بما معناه أن “الماء لا يشق الحجر بقوة قطراته وإنما بثبات سيلانه”.
« La goutte d’eau perce la pierre, non par sa force, mais par sa persévérance»
16- وهذا ما تتطلبه منا معالجة الـأزمة في النيجر الشقيق، صلابة القناعات وثبات المواقف وصدق النوايا ودأب الجهود.
وشكرا.