يفتقد نظام المخزن المغربي في سياساته الاستفزازية تجاه الجزائر، من خلال الاستمرار في تغذية خطاب سياسي، لأي وجاهة تاريخية أو قانونية، في سيناريو تمت حياكته بعيدا عن الأضواء خدمة لأجندات القصر الملكي الذي يبحث عن متنفس لأزماته الداخلية.
ويأخذ هذا الاستفزاز منحى ينذر بتداعيات خطيرة على المنطقة، بحيث ترسخت قناعة لدى الكثيرين بوجود تنسيق سياسي إعلامي من أجل دفع المنطقة إلى حافة الحرب، بعدما قفز إلى الواجهة سياسيون مغامرون في نظام المخزن يروجون علنا لمثل هذه الأطروحات، على غرار رئيس اللجنة البرلمانية الأوروبية المغربية، لحسن حداد، الذي جعل من حسابه الخاص على “تويتر” منبرا لتغذية العداوة بين الشعبين الجزائري والمغربي.
هذا الخطاب كانت قد فجرته مؤخرا بهيجة السيمو، مسؤولة الأرشيف بنظام المخزن، قبل أن تتلقفه صحيفة “ماروك إيبدو”، التي نشرت خريطة اقتطعت من خلالها أجزاء من التراب الجزائري لتلحقه بما تزعم أنها الأراضي التاريخية لمملكة المخزن، في سقطة ردت عليها وكالة الأنباء الجزائرية بمقال شديد اللهجة، تحدى الجيش المغربي بأن يلمس حبة رمل واحدة من التراب الجزائري.
مسؤولو صحيفة “ماروك إيبدو” المثيرة للفتنة، استيقظوا الثلاثاء على مشهد غير سارّ بالنسبة إليهم، تمثل في اختراق موقعها من قبل “هاكر” يرجّح أنه جزائري، فيما بدا ردا على ما نشرته هذه الصحيفة قبل نحو أسبوع، في سقطة إعلامية مدوية تجاوزت حدود التحفظ الذي اعتاد عليه الإعلام الدائر في فلك نظام المخزن.
وظهر موقع الصحيفة المسكون مسؤولوها بالهاجس التوسعي، عقب الاختراق، بمحتوى يرمز إلى الدولة الجزائرية، تحت وسم “الجزائر خط أحمر”، وقد عمد القرصان إلى مسح خارطة المغرب الأقصى وضمها إلى خريطة الجزائر واضعين عليها العلم الجزائري.
كما تفنن “الهاكر” في توجيه رسائل مشفرة إلى مسؤولي نظام المخزن، من قبيل وضع علم الصحراء الغربية على خارطة الإقليم المحتلّ، مع الاحتفاظ بالحدود التي تفصل بين جميع دول العربية في شمال إفريقيا بشرقها وغربها.
وبموازاة ذلك، خرج الأربعاء رئيس اللجنة البرلمانية الأوروبية المغربية، والمعروف بدفاعه عن سياسات نظام المخزن، بمجموعة من التغريدات على حسابه في تويتر، يروج من خلالها لما يزعم أنها “الصحراء الشرقية” المبتورة من خارطة نظام المخزن، متجاهلا القوانين والأعراف الدولية، وغير مدرك لخطورة مثل هذه الممارسات على الاستقرار في المنطقة المغاربية.
والغريب في الأمر هو أن هذا البرلماني الذي يحمل صفة “دكتوراه” ينقل مزاعمه عن شخصية فرنسية يمينية شوفينية، معروفة بتشعبها بالفكر النازي والفاشي، معادية بشدة للمسلمين في فرنسا، ويكفي للتدليل على ذلك، أن هذا الشخص المرجع الذي يسمي نفسه مؤرخا، عمل مستشارا للشؤون الإفريقية للمرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، الصهيوني المتطرف إيريك زمور.
هذه التوصيفات المنسوبة للمرجع التاريخي لدكتور المخزن، ليست تجنّيا على الرجل، وإنما هي موجودة في السيرة الذاتية لبيرنار لوغان، وقد سبق للصحفي المغربي المعروف، علي لمرابط، نشرها على حسابه الخاص على “تويتر”، علما أن لوغان ذاته يكتب عمودا في موقع “Le360″، الذي يملكه منير الماجيدي، السكريتير الخاص لملك المغرب محمد السادس.
ومعروف أن المؤرخ الفرنسي بيرنار لوغان يتوفر على فيديوهات متداولة في شبكات التواصل الاجتماعي مثل “يوتيوب”، تهاجم الجزائر بشكل عنيف، وهو الذي لقّن نظام المخزن الأسطوانة المشروخة التي تقول إن عمر الجزائر لا يتعدى سنة 1962، كما أنه هو الذي يشحن الذباب المخزني من أجل استهداف الجزائر في وحدتها الترابية.
واستنادا إلى السيرة الذاتية، فإن بيرنار لوغان التحق في سنة 1988 بـ”المجلس العلمي” للجبهة الوطنية الفرنسية” بزعامة ماري لوبان، كما شارك في سنة 1991 في تحرير أجندة وطنية تشيد بزعيم النارية في ألمانيا، أدولف هتلر، وزعيم الفاشية في إيطاليا بينيتو موسوليني، والأدلة موجودة في حساب الصحفي المغربي على “تويتر”.
كما التحق المرجع التاريخي لنظام المخزن في سنة 2018 بما يسمى “المجلس الوطني للمقاومة الأوروبية”، وهي هيئة تضم المدافعين عن نظرية “الاستبدال العظيم” التي اخترعها رونو كامو، وهي نظرية عنصرية تحذر من الوجود المتنامي للمسلمين في فرنسا، لأنه يعتبر التساهل أمام المهاجرين تهديدا للتركيبة السكانية للعرق الأبيض المسيحي ليس في فرنسا فحسب وإنما في أوروبا بأكملها، لأن الرجل يفكر بمنطق الأمة وليس الدولة.
وتكشف وثيقة السيرة الذاتية للمؤرخ المتطرف بيرنار لوغان، الذي يعتبره نظام المخزن مرجعا له، فيما يزعم أنها حدود تاريخية للمغرب، عن بلاد المسؤولين في المملكة العلوية، وعدم استيعابهم لحجم المؤامرة التي تنسجها المنظمات المتطرفة الأممية العابرة للحدود، والتي لا تزال تحلم بسيادة العرق الأبيض على بقية الأعراق.