تتكثف منذ أسابيع محاولات خبيثة لتشويه صورة الدول التي ما تزال وفية لمبادئها تجاه القضية الفلسطينية.
وكما هو متوقع، تتصدّر الجزائر قائمة هذه الدول، باعتبارها آخر قلاع الوفاء في زمن التطبيع الجماعي.
ومع كل موقف جزائري حازم في الدفاع عن الفلسطينيين، تتسارع حملات التشكيك، وتُصنَع الأكاذيب بعناية لتضرب صورة الدولة والشعب معًا.
آخر هذه الفصول، تهمة “منع التظاهرات المؤيدة لغزة”، وهي تهمة أُطلقت من حسابات مغربية وأخرى مجهولة المصدر،
تحاول تقديم الجزائر كدولة تُقمع التضامن، وتمنع مواطنيها من التعبير عن مشاعرهم تجاه مأساة غزة.
لكن الحقيقة الصلبة التي تغيظ هؤلاء هي أن الجزائر، شعبًا ودولة، ليست بحاجة إلى مظاهرات موسمية لإثبات ولائها لفلسطين.
فالموقف هنا ليس لحظة إعلامية، بل التزام وطني، تاريخي، ودستوري، يتجاوز الاستعراض العاطفي نحو فعل سياسي ودبلوماسي وإنساني فعّال.
الجزائر، التي رفعت علم فلسطين قبل أن ترفعه حتى بعض الفصائل الفلسطينية، لم تتأخر يومًا عن الدفاع عن الحقوق المشروعة لهذا الشعب،
لا في المحافل الدولية، ولا في السياسات الرسمية، ولا في الخطاب الشعبي.
من مؤتمر “لمّ الشمل” الذي جمع الفصائل الفلسطينية المتصارعة على أرض الجزائر، إلى الموقف الثابت في مجلس الأمن،
حين وقفت الجزائر وحدها تقريبًا في وجه صمت العالم الرسمي، كانت رسائل الدولة الجزائرية واضحة:
فلسطين ليست ورقة في لعبة توازنات، بل قضية شرف وهوية ومصير.
ومن المؤسف أن تصدر محاولات التشويه من جهات تفتقر لأدنى شرعية في الحديث عن التضامن.
فبعض من يروّج اليوم لفكرة “تغييب صوت الشارع الجزائري”، هم أنفسهم من هرولوا إلى التطبيع،
وأداروا ظهورهم لغزة، واستبدلوا مقاومة الاحتلال بالتقرب من الكيان.
هؤلاء لا يغفرون للجزائر صلابتها، ولا لمؤسساتها قدرتها على الصمود، ولا لشعبها نضجه السياسي.
أكثر من ذلك، فإن التضامن الجزائري لا يُقاس بعدد المسيرات، بل بنوعية المبادرات.
دعم الجزائر لفلسطين ليس مجرد تصريح عاطفي، بل سياسة خارجية فعالة، متواصلة، ومكلفة أحيانًا، لكنها صادقة.
ومن لا يرى ذلك، فليعد إلى أرشيف الأمم المتحدة، أو إلى سجلات الدعم الميداني.
الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها، أن الجزائر تمثّل اليوم عقدة في حلق كل من فرّط وخان وتواطأ.
وكل تشكيك في موقفها من فلسطين ليس سوى محاولة بائسة لتقويض ما تبقّى من مثال نادر في هذا العالم العربي المهزوم.
أما الشعب الجزائري، فهو لا ينتظر إذنًا من أحد ليعلن موقفه.
لا تخلو مناسبة وطنية، ولا مباراة رياضية، ولا حتى مظاهرة اجتماعية، من علم فلسطين.
لأن فلسطين في الجزائر ليست موسمية، بل بنية تحتية للضمير الجمعي.
وفي زمن الخيانة ، يكفي الجزائر شرفًا أنها آخر من بقي واقفًا.