كلــمة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان خلال حوار القيادة الثاني لمؤتمر ستوكهولم+50، حول:
“تحقيق التعافي المستدام والشامل للجميع من جائحة مرض فيروس كورونا”
ستوكهولم (مملكة السويد)، 3جوان2022
السيدات والسادة رؤساء الوفود،
السيدات والسادة المشاركين،
لقد وضعت جائحة كورونا النظم الاقتصادية على المحك، كونها أدت إلى تفاقم الأزمات السائدة، بما فيها التي تمس البيئة. وعلى غرار مخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية، أثرت هذه الجائحة سلبا على إمكانيات الدول في التصدي للمشاكل البيئية المختلفة، كتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتصحر، كما قوضت قدراتها على مجابهة التحديات التنموية الأخرى كالتصدي للفقر والجوع والبطالة والتهميش الاجتماعي الناجم عن هذا كله.
ولمواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة، قامت الحكومة الجزائرية باتخاذ مجموعة من التدابير سمحت بالحد من انتشار الوباء وبتخفيف الآثار السلبية للأنشطة الاقتصادية المختلفة على البيئة. وقد أدى هذا النوع من التجارب إلى التفكير في تعميم هذه الإجراءات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل قطاع.
إذ بذلت الجزائر، بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مجهودات هائلة، بما في ذلك شقها المالي، لضمان الرعاية الاجتماعية والخدمات الأساسية لفائدة مواطنيها، من خلال حرصها على تقديم الخدمات الطبية والمساعدات الاجتماعية والتي تم تكييفها خلال السنتين الأخيرتين، بمراعاة التدابير الوقائية ضد فيروس كورونا. كما باشرت الجزائر في تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والقضاء على الفوارق الاجتماعية من خلال الاستثمار في مشاريع جريئة لتحسين المستوى التنموي للمناطق التي تتطلب دعما معينا.
فضلا عن ذلك تم تسخير التكنولوجيا، لاسيما تقنيات الاجتماع والعمل عن بعد، للسماح لمختلف الدوائر الوزارية والمصالح تحت الوصاية والإدارات المحلية والمؤسسات من القطاعين العام والخاص،بالحفاظ على وتيرة عملها وضمان استمرارية خدماتها والإبقاء على ديمومة نشاطاتها الاقتصادية. ولقد أدت هذه الإجراءات والتدابير إلى المحافظة على المستوى المعيشي للمواطن بفضل الحفاظ على موارد العيش ومناصب الشغل على مستوى الإدارات العمومية والشركات الاقتصادية. كما سمحت بتسجيل انخفاض غير مسبوق لانبعاثات الغازات الدفيئة، وخاصة تلك التي تحسب على قطاع النقل، وهذا بفضل انخفاض ملموس للتنقلات، وخاصة داخل المناطق الحضرية.
وبالرغم من هذا كله، يقتضي استمرار هذا النوع من التدابير توفير الشروط التي تسمح بذلك. فعلى سبيل المثال، يتوجب على الحكومات أن تعتمد على شتى أنواع التحفيزات لفائدة الأشخاص الطبيعية والمعنوية والمتعاملين الاقتصاديين، بالإضافة إلى أطر ملزمة بحسب ما تقتضيه الضرورة.
كما يتعين توفير شراكات دولية بناءة، عملا بمبدأي التضامن والأخذ بعين الاعتبار للظروف الوطنية للبلدان وقدراتها. إذ يتطلب التعافي من الجائحة الحرص على توفير دعم فني ومالي من قبل الدول المتقدمة، بالنظر إلى مسؤوليتها التاريخية في نشوب الأزمات البيئية التي نعاني منها جميعا، والتي تمس بحدة الدول النامية. وتشتمل هذه الوسائل على الدعم المالي بما يلبي احتياجات الدول النامية، ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات. كما يتوجب على الدول التي لها باع في وضع السياسات التي تهدف إلى حماية البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشاركة تجاربها الوطنية الناجحة، وخاصة تلك التي تتعلق بـ:
• آليات التمويل لدعم السياسات التي تصب في تحقيق البعد البيئي للتنمية المستدامة،
• قواعد وأطر الشفافية ورفع التقارير في سياق متابعة تطبيق هاته السياسات وتقييم نجاعتها،
• معايير النجاعة الطاقوية والسلامة البيئية، على غرار معياري إيزو 26000 وإيزو 14001،
• المشاريع والأنشطة التي تصب في سياسة التثمين الطاقوي للنفايات، لاسيما الآليات المالية والجبائية التي تحفز الاستثمار في هذا المجال،
• كيفية إسهام القطاع البنكي بالنظر للدور الذي بإمكانه أن يقوم به في بلوغ الأهداف المسطرة بموجب السياسات الرامية إلى تحقيق البعد البيئي للتنمية المستدامة،
• سياسات دعم وبناء القدرات البشرية والمؤسساتية في القطاعات المعنية بالسياسات ذات البعد البيئي، خاصة على مستوى قطاع البناء والطاقات المتجددة والصيد البحري والفلاحة وكذا قطاع المالية.
ومن هذا المنطلق، ساهمت الجزائر على الصعيد القاري والدولي في دعم دول منطقة الساحل الصحراوي في مجابهة جائحة كوفيد-19،كما تعمل من خلال مشاريع ثنائية ومتعددة الأطراف على تعزيز القدرات الفنية عن طريق مشاركة تجاربها الناجحة في محاربة التصحر والحفاظ على التنوع البيئي والتسيير المستدام للموارد المائية.
وفي الختام، فإننا على قناعة بأن التعافي الشامل لا يمكن أن يتحقق إلا بجهد شامل يضمن ألا يتخلف أحد عن الركب التنموي.
وشكرا لكمعلى كرم الإصغاء.