مازالت تركة الحرب العالمية الثانية مهيمنة على طبيعة الأمم المتحدة خاصة في أهم هيئاتها ومجالسها، حيث كانت عضوية مجلس الأمن وصلاحياته سبيلا لفرض توجه قوى معينة بشكل قوض الاستقرار الدولي وزاد من تحديات عدم التوزان في العالم وعقد ايضا فرص النمو خاصة في إفريقيا التي تعرف تهميشا حقيقيا بالنسبة لحقها في عضوية دائمة في مجلس الأمن،
وليستمر هذا الوضع بالرغم من أن إفريقيا قدمت للعالم تضحيات كبيرة لأجل الحرية حين كانت مسرحا لاسوء الحملات الاستدمارية من القوى التقليدية، ولتكمل هذه الأخيرة بنَفَسٍ يتجدد معه التحييد السلبي للقارة السمراء رغم تضحيات شعوبها في سبيل الحرية والمساواة، على غرار كفاح الشعب الجزائري المستميت ضد الاستدمار الفرنسي، والجدير بالذكر أيضا عن افريقيا انها تمثل مرجعا أساسيا وحقيقيا في العالم من حيث التسامح مع ماض استغلت فيه ونهبت ثرواتها في غير صالح شعوبها، ما زاد من تحديات تنميتها، فلماذا لم تنل إفريقيا حقها في التمثيل الدائم في مجلس الأمن الدولي اعتبارا لتضحياتها وكفاح شعوبها؟
وفي هذا السياق ولأجل بعث عدالة أممية وفق معايير تحضى بالمنطقية وبالقبول كانت محاولات دول افريقية لها وزنها وتاريخها على غرار الجزائر وليبيا وجنوب افريقيا….، خاصة وأن الوضع القائم هو مجرد امتداد لتوازنات الغالب يحكم الضعيف،
فعن اي توازنات يتحدث الغرب؟ خاصة عند تناول مواضيع دول أخرى في اجتمعاتهم الامنية، والتي اصبحت لفرض عقوبات اقتصادية الحقت ضررا بدول نامية مقابل فشلها مع روسيا القوية، ولتعطي نتائجا عكسية كدليل قاطع على ضعف التوازنات الدولية الحالية وعدم جدوى منظومتها المفروضة فقط على الدول الضعيفة، التي تعرض بعضها للتدمير والتخريب بقرارات لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعوب التي يُطلب منها ان تكون أكثر تحضرا وديمقراطية لتواجه حضاراتها الحقيقية حملات قصف وحشية مخلفة وضعا ميؤسا منه ومصيرا مجهولا وحالا معدوما لا أمل فيه لاستقرار حالها في المدى المنظور بسبب حسابات المصالح المفروضة من دول لها صفة العضوية الدائمة التي اعطتها حق التصرف الدائم في مصير غيرها من الأمم، وهذا بالنسبة للتدخلات السلبية المرفوضة،
أما في الحالة العكسية التي تستحق ضرورة التدخل الأممي من خلال مجلس الأمن، لم تُنصف القضايا العادلة، لأن أغلب القرارات تعطلت في اجتمعات كانت بأولوية حماية شعوب مضطهدة من الانتهاكات التي تحصل في بقاع مختلفة وأخطرها ما يقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الاسرائيلي،
فإلى متى تبقى توازنات هذه الهيئة الأممية ضد القضايا العادلة بسبب حق النقض او الفيتو الذي يجهض أي صحوة فيها حق فلسطيني؟ ومن هذا المنطلق يجب طرح سؤال عن مستقبل دول افريقيا والدول العربية والاسلامية عموما في هذه الهيئة؟ خاصة مع التطورات الواقعة في شرق أوروبا التي تخوض فيها القوات الروسية معارك عنيفة في اوكرانيا كونها وقعت في فخ التجاذبات الغربية وهي الان مسرح لمعركة انهاء زمن الأحادية القطبية التي لم تعد تصلح للعالم ولاوروبا تحديدا، لانها تعرف تماما متطلبات الاستقرار التي تحتاج بالضرورة لعالم متعدد الاقطاب متوازن القوى، فمتى ستعلن اوروبا عن قناعات مجتمعاتها المعرضة لمخاطر تدهور المعيشة وتحديات الانفلاتات الأمنية والحروب الاقليمية التي قد تتحول لحرب عالمية ثالثة وان لم تعلن رسميا فهي قد بدات ملامحها فعليا؟ وهل ستكفر اوروبا عن خطاياها وجرائمها التي ارتكبتها في افريقيا باعطائها دعما واضحا باقتراحعضوية دائمة تمثلها احدى الدول الافريقية؟
خاصة وأن هدف الاستقرار يحتاج بالضرورة لفلسفة ومنهجية تتقارب فيها مصالح مختلف جهات العالم بقاراته لتفادي طغيان جهة أو دولة معينة على حساب العالم، ولتحقيق طموح التمثيل العادل في مجلس الأمن بشكل يضمن الاستقرار والأمن لابد من بذل جهود منسقة بين الدول الفاعلة افريقيا وعربيا واسلاميا للوصول لتمثيل عادل في مجلس الأمن، لاضفاء توازنات مطلوبة اكثر من اي وقت مضى، وذلك بالسعي نحو تعديل تشكيلته وتوسيع العضوية الدائمة فيه،
واحسن ما يطرح في هذا السياق يكون باقتراح أهم المعايير المرجعية في اختيار ممثل يحظى بالدعم والقبول من أفريقيا والعالم العربي والاسلامي من خلال النقاط التالية:
- ان تتوفر الدولة على رصيد دبلوماسي داعم للقضايا العادلة، ومساندتها اللامشروطة لحق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير،
- أن تكون الدولة ذات تجربة رائدة في المشاركة في حل الأزمات الاقليمية والدولية بالحكمة وبالحياد التام والموضوعية،
- ان تكون الدولة غير مسبوقة في الحروب الظالمة والعدوان ضد غيرها ماعدا حالات الدفاع عن النفس المكفول قانونا،
- ان تتميز الدولة بمؤسسات نظامية منتخبة بارادة الشعب وبدستورية منسجمة ومكوناتها وقواها السياسية،
- ان تثبت هذه الدولة نشاطا دبلوماسيا صادقا لصالح الاستقرار والامن عالميا،
- ان تكون الدولة ذات تجربة حقيقية في محاربة التطرف والإرهاب ومختلف الجرائم العابرة للحدود، وأن تكون غير متورطة في دعم التطرف والارهاب بمختلف اشكاله، ولو على سبيل الفدية.
- ان تكون للدولة علاقات متوازنة في العالم بين شرقه وغربه وبحياد لا يقبل المساس بالشؤون الداخلية للدول،
- أن تتميز الدولة برصيد نضالي ملهم يستحق الذكر والاحترام من خلال تأثيرها الايجابي في دحر الفكر الاستدماري وانهائه،
- إثبات استناد الدولة في معاملاتها مع غيرها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،
- ان تكون للدولة تجارب رائدة في تحقيق المصالحة الوطنية ذاتيا وبما يضمن تجاوز الاختلافات الداخلية بسلمية….
والخلاصة ان هذه المعايير تحتاج لاثراء وفق منهجية موضوعية بما يخدم عدالة مرجوة من شعوب كثيرة في العالم، وخير من تستحق الدعم في أفريقيا وعربيا ومن كل العالم الإسلامي هي الجزائر، التي لها ما يؤهلها للعب دور حاسم في صالح الاستقرار والأمن في العالم، ويعطي للقضايا العالقة فرصتها في حلول دائمة وعادلة ومناسبة.
عمار براهمية باحث في الدرتاسات السياسية والإجتماعية بجامعة تبسة