عادت السلطات الفرنسية، مجددا لممارساتها السابقة التي كانت سببا في دفع العلاقات الثنائية إلى القطيعة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي تطبعها منذ أزيد من سنة، وكان لافتا في ذلك التصريحات التي صدرت عن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، بشأن السجينين المدانين بوعلام صنصال وكريستوف غليز.
وفي تدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر، دعا جون نويل بارو إلى إطلاق سراح بوعلام صنصال وكريستوف غليز، بشكل فوري ومن دون شروط، وهو على دراية تامة بأن تصريحات من هذا القبيل من شأنها أن تضع زيارة نظيره في الحكومة، وزير الداخلية لوران نونياز، أمام مخاطر رد فعل جزائري صارم كما سبق وحدث في العديد من المرات.
وسُئل الوزير الفرنسي عن حقيقة وجود مباحثات بشأن إطلاق سراح السجينين الفرنسيين المدانين بالسجن في قضايا تتعلق بالإضرار بـ”الوحدة الترابية” و”الترويج للإرهاب”، على أمواج قناة “آر تي آل” (RTL) مساء الأربعاء، فرد قائلا: “نحن منشغلون بوضعيتهما، وسنواصل عملنا للحصول على إطلاق سراحهما الفوري ومن دون شروط”.
ويعد هذا الاستفزاز الأول من نوعه لوزير الخارجية في حكومة لوكورنو الثانية، فقد تجرأ جون نويل بارو على الجزائر وهو الذي عُهد عنه الحذر في التعاطي مع هذه الأزمة، والمثير في هذه “الخرجة”، هو أنها تأتي قبل الزيارة المرتقبة لزميله في الحكومة، وزير الداخلية، لوران نونياز، وفق ما جاء على لسان الأخير.
وبالنسبة لجون نويل بارو، فإن الموقف الفرنسي لن يتغير بعد مصادقة البرلمان الفرنسي على اللائحة التي تطالب بإسقاط اتفاقية 1968، وشدد على أن الحكومة الفرنسية “لا تريد جعل الجزائر موضوعا للسياسة الداخلية الفرنسية كما قال الوزير الأول (سيباستيان لوكورنو)، بل نركز على مصالحنا، ولاسيما ما تعلق بالتعاون في مجال الأمن، لأن الجنوب الجزائري بدأ تتشكل فيه بؤرة للإرهابيين الإسلاميين، التعاون في مجال الهجرة، تحرير مواطنينا والعلاقات الاقتصادية”.
ويشكل حديث المسؤول الفرنسي عن وجود “بؤرة للإرهاب” في الجنوب الجزائري، خطيئة دبلوماسية يتعين عدم السكوت عنها، لأنه كدبلوماسي كان يجب عليه ضبط ألفاظه بدقة، ولم يتضح ما إذا كان متعمدا في ذلك، أم أنه كان يقصد الوضع في مالي، لأن جنوب الجزائر أكثر استقرارا حتى من فرنسا ذاتها.
وتتناقض لهجة تصريحات رئيس الدبلوماسية الفرنسية لمحطة “آر تي آل” الإذاعية الأربعاء، مع مداخلة له في اليوم ذاته أمام أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان)، والتي كانت أقرب إلى التهدئة، وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان للحكومة الفرنسية خطابان مختلفان في التعاطي مع الأزمة المتفاقمة مع الجزائر.
وقال جون نويل بارو أمام النواب: “ندعو السلطات الجزائرية إلى إيجاد مخرج سريع وإنساني لوضعيتهما (بوعلام صنصال وكريستوف غليز) بالنظر للوضعية الصحية لبوعلام صنصال، وكذا الظروف التي رافقت الإدانة الثقيلة لكريستوف غليز، وهذه هي الرسالة التي أوصلناها للسلطات الجزائرية في العديد من المرات، وكذا شركائنا الأوروبيين وفي العالم”.
وفي سياق ذي صلة، وفي حوار خص به محطة “فرانس إنفو”، تحدث جون نويل بارو، عن وجود أزمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ودعا إلى تجاوز هذه المشكلة، وقال “كثيرا ما يتم التغاضي عن بعد مهم في هذا النقاش، هو المسألة الاقتصادية”. وأضاف: “العديد من الشركات في فرنسا، وخصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الأغذية الزراعية، تعاني جراء التوترات التي شابت العلاقة خلال العام الماضي”.
وتجاهل جون نويل بارو السبب الرئيسي الذي أدى إلى تفجير الأزمة بين البلدين، وهو المتمثل في اعتراف إيمانويل ماكرون بخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وراح يتحدث عن تضرر المصالح الاقتصادية لبلاده في الجزائر، في أنانية وقحة، في وقت كان عليه أن يقرّ فيه بتحمل بلاده تبعات الأخطاء التي وقع فيها مسؤولوها، ثم ماذا كان يتوقع، هل ستحرص الجزائر على الامتيازات الفرنسية، في الوقت الذي لم يدخر المسؤولون في باريس، جهدا للإضرار بالمصالح الجيوسياسية للجزائر، وآخرها الأفعال العدائية للدبلوماسيين الفرنسيين في الأمم المتحدة، بينما كانت القضية الصحراوية مطروحة على طاولة مجلس الأمن.
محمد مسلم/الشروق اليومي








