تزايد الحديث في وسائل إعلام مغربية خلال الأيام الأخيرة عن تنامي ظاهرة الهجرة من الكيان الصهيوني نحو المغرب، في ظل ما يصفه البعض بـ”الهجرة العكسية”، التي باتت تشكل مظهراً جديداً من تبعات العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. هذه التحركات السكانية، التي لا تُفصل عن سياقها السياسي والأمني، تأتي في وقت يشهد فيه الكيان الصهيوني أزمة داخلية مركبة وتراجعاً في مؤشرات الاستقرار.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، فإن النظام المغربي يفتح أبوابه لاستقبال أعداد متزايدة من الصهاينة، لا سيما أولئك من أصول مغربية، والذين اختاروا العودة إلى “أرض الأجداد” كما تُروج لذلك بعض الأوساط الإعلامية المقربة من المخزن. هذه العودة لا تخلو من تعقيد، إذ يُدرك هؤلاء المهاجرون الجدد أنهم قادمون إلى مجتمع تُعدّ القضية الفلسطينية أحد ثوابته الراسخة، مجتمع لا يزال يرى في التطبيع خيانة صريحة لتاريخ التضامن مع شعب تحت الاحتلال.
المحلل السياسي المغربي بدر العيدودي، المقيم في إسبانيا، أشار في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية إلى أن موجات الهجرة من الكيان الصهيوني إلى المغرب عرفت تصاعدًا لافتًا منذ عام 2018، وبلغت ذروتها بعد العدوان الأخير على إيران، حيث تم تسجيل انتقال أكثر من 57 ألف صهيوني نحو المملكة. وأضاف أن هذه الفئة من الوافدين تنشط في قطاعات حساسة، منها الفن والثقافة والتعليم العالي، بالإضافة إلى مجالات استثمارية كالعقار والسياحة والتكنولوجيا.
ووفق ذات المصدر، فإن المخزن يمنح تسهيلات استثنائية لهؤلاء القادمين، من بينها الحصول على الجنسية المغربية بشكل سريع، إضافة إلى امتيازات اقتصادية واجتماعية لا يتمتع بها حتى المواطن المغربي، مما يثير حفيظة شريحة واسعة من الرأي العام المحلي. كما تم تسجيل إنشاء مؤسسات خاصة تخدم مصالح هؤلاء الوافدين، ضمن سياسة يُنظر إليها على أنها ترمي إلى إدماجهم في البنية الاجتماعية والسياسية للمملكة.
ورأى العيدودي أن هذه التطورات توحي بوجود توافق بين سلطات الاحتلال الصهيوني ونظام المخزن، بما يسمح للصهاينة بالتموقع داخل مفاصل الدولة، والتحكم لاحقاً في دوائر القرار الحساسة. كما نبه إلى أن بعض المهاجرين الجدد فروا من الملاحقة القضائية في الكيان الصهيوني، واستفادوا من ثغرات قانونية في المغرب تسمح لهم بالاستقرار بسبب أصولهم المغربية، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذه الهجرة.
ورغم التسهيلات الرسمية، تشير التقارير إلى أن هؤلاء المهاجرين قد يصطدمون بواقع اجتماعي مختلف، وسط تنامي الرفض الشعبي لأي شكل من أشكال التطبيع، وتزايد الدعوات إلى مقاطعة الكيان الصهيوني، ما يجعل من اندماجهم في النسيج المغربي تحديًا حقيقياً قد يُعيد خلط الأوراق في العلاقة بين المخزن والشارع.