مدخل:
الصّيام ركن من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى في السنة الثانية للهجرة النبوية، بالمدينة المنورة، فعن ابن عمر رَضي الله عنه أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم قال: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) [أخرجه البخاري ومسلم].
?أولا: تعريف الصيام
✅أ- لغة: الصوم في اللغة معناه الإمساك، يُقال صام عن الكلام، أي أمسك عن الكلام.
✅ب- شرعا: الصِّيام هو الإمساك عن المـُفطرات بنية مخصوصة، ويكون ذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
?ثانيا: حكم الصّيام
صيام شهر رمضان واجب، لقوله تعالى:﴿يَآ أَيُّهَا الذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾[سورة البقرة]، وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…(185)﴾ [سورة البقرة]، وقال الرّسول صلى الله عليه وسلّم: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) [البخاري ومسلم].
?ثالثا: مقاصد الصيام
فرض الله تعالى الصّيام لمقاصد وحكم عظيمة منها:
✅1- مقاصد إيمانية: إذ يٌعدّ الصِّيام سبب من أسباب التقوى لقوله تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾ [سورة البقرة].
✅2- مقاصد تربوية: ويتمثل ذلك في
▪️- يربي الصّبر على الطّاعات، وعلى ترك المعاصي في قلب المسلم.
▪️- يستشعر الصائم نعم الله تعالى.
▪️- ينظم الصوم حياة المسلمين الصائمين.
▪️- يلم شمل الأسرة ويُقرب البعض إلى الآخر، في شهر رمضان الكريم.
✅3- مقاصد اجتماعية: وذلك بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ومواساتهم، والتصدق عليهم
✅4- مقاصد صحية: إذ أثبتت الدّراسات العلمية الحديثة أن الصِّيام صحة للأبدان، وهذا تأكيدا لحديث النبي صَلى الله عليه وسلم: (…صوموا تصحوا…).
?رابعا: أنواع الصّيام
✅1- الصوم الواجب: هو صيام شهر رمضان أداءً أو قضاءً، وكذلك صيام مختلف الكفارات منها:
▪️- كفّارة اليمين: وهو أن يحلف المرء بالله تعالى، أو بأحد أسمائه على أمر ما، فيحنث بعد ذلك فتجب عليه كفارة، بصيام ثلاث أيام متفرقات أو متتابعات، إذا لم يتمكن من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، لقوله تعالى: ﴿لاَ يُوَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُّوَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنَ اَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ أَوْ كِسْوَتُهُمُ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ…(89)﴾ [سورة المائدة].
▪️- كفارة القتل الخطأ: على القاتل صيام شهرين متتابعين: لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ اَنْ يَّقْتُلَ مُومِنًا اِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلآَّ أَنْ يَّصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُومِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمِم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(92﴾ [سورة الحج].
▪️- صيام النذور: وهو ما أوجب المـُكلف على نفسه من صيام، كأن يُكلف المرء نفسه بصيام شهر كامل إذا تحقق له ما يرجوه.
▪️- كفارة الظِهار: والظِهارُ هو أن يُشَبِّه الرّجل زوجته بامرأة محرمة عليه، كأن يقول لها (أنت عليّ كظهر أمي)، فلا تحل له إلاّ بعد تحريره رقبة مؤمنة فإذ لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
✅2- الصيام المندوب: وهو صيام حثّ عليه النّبي صلى الله عليه وسلّم، على سبيل النّدب بلا إلزام، ومثال ذلك ما يلي:
▪️- صيام شعبان لحديث عائشة رَضي الله عنها: (ما رأيت الرّسول صلى الله عليه وسلّم استكملَ صيامُ شهرٍ قط، إلاّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر منه صياما في شعبان) [رواه البخاري وسلم].
▪️- صيام يوم التاسع والعاشر من محرم: فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه يصوم يومي التاسع والعاشر من محرم، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه) [رواه مسلم].
▪️- صيام يوم عرفة: قال الرّسول صلى الله عليه وسلّم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) [رواه الإمام مسلم].
▪️- صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.
▪️- صيام الأشهر الحُرم: وهي محرم، ذو القعدة، ذو الحجة، رجب.
▪️- صيام ستة أيام من شوال: قال الرّسول صَلى الله عليه وسلم: (من صَامَ شهر رمضان ثمّ أتبَعَهُ سِتًا من شَوال كَانَ كصِيام الدَّهرِ) [رواه مسلم].
▪️- صيام أيام البيض: وهو صيام ثلاث أيام في منتصف الشهر القمري (وهي أيام: الثالث عشر، الرابع عشر، الخامس عشر).
▪️- صيام يومي الاثنين والخميس: لحديث النبي صلى الله عليه وسلّم الذي رواه أبو هريرة رَضي الله عنه: (تُعرض الأعمال يومَ الاثنين والخميسِ، فأُحبُ أن يُعرض عملي وأنا صائم) [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني].
▪️- صيام داوود عليه السّلام: وهو صيام يوم وإفطار يوم.
✅3- الصيام المحرّم: ويتمثل في
▪️- صيام يومي الفطر والأضحى: إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن صيام عيدي الأضحى والفطر، فعن أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحى) [رواه البخاري].
▪️- صيام أيام التشريق بالنِّسبة للحاج: قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (أيام التشريق أيام أكلٍ وشُربٍ وذكر الله) [متفق عليه].
▪️- صوم من يؤدي بنفسه إلى الهلاك: يٌحرم الصِّيام على من يؤدي به ذلك إلى الهلاك، كالمريض والمـُسن العاجز، لقوله تعالى: ﴿…وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)﴾ [سورة النساء].
✅4- الصيام المكروه: يتمثل في
▪️- صيام يوم الشّك: وهو يوم ثلاثون من شهر شعبان، وسُمي بيوم الشك، لأنّه قد يكون بمثابة اليوم الأخير من شعبان، وقد يكون اليوم الأول من رمضان، ويُسْتثنى من الحكم المداوم على صيام يومي الاثنين والخميس، وصيام النذر، صيام الكفارة.
▪️- إفراد يوم السبت بالصيام.
▪️- نذر صيام الدّهر.
?خامسا: شروط الصيام
✅1- البلوغ: وهو السن التكليفي للمرء، فإذ بلغ وجبت في حقه المأمورات الشرعية، ويُأثم إذا لم يؤدها، قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة: عن الصَّبِى حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ) [رواه ابن ماجة والدّرامي وغيرهما].
✅2- الإسلام: تجب الأحكام الفقهية على المرء بعد إسلامه، لذلك وجب على كل مسلم أن يُبَلغ رسالة الإسلام، لقوله تعالى: ﴿…وَمَا كُنـَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(15) ﴾ [سورة الإسراء].
✅3- القدرة على الصّوم: فيسقط الصِّيام على العاجز، لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا…(286)﴾ [سورة البقرة].
✅4- الإقامة: رفع الله الحرج عن المسافر، وأسقط عليه الصّوم، في قوله عزّ وجلّ: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اُخَرَ…(184)﴾ [سورة البقرة]، والعِلة تكمنُ في السّفر، وليس في المشقة لأنها غير قابلة للقياس.
✅5- الطّهارة من الحيض والنفاس: على المرأة أن تصوم إذا توقف عنها دم الحيض والنفاس.
✅6- حلول وقت الصيام: لقوله تعالى: ﴿مَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…(185)﴾ [سورة البقرة]، وعن أبي هريرة رَضي الله عنه قال:قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (صُوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) [أخرجه البخاري].
?سادسا: موجبات الإفطار
قد يطرأ على المسلم أعذار تبيح له الإفطار وتُسقط عنه الصِّيام وهي:
✅1- السفر: لقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اُخَرَ…(184)﴾ [سورة البقرة].
✅2- المرض: أسقط الله تعالى الصيام على المريض، وقضاء تلك الأيام بعد بُرئه، أمّا إذا كان من ذوي الأمراض التي لا يُرجى بٌرؤها فعليه بإخراج فدية تلك الأيام، لقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اُخَرَ…(184)﴾ [سورة البقرة].
✅3- الحمل والإرضاع: إذا خافت المرأة الحامل على نفسها، أو على جنينها فرخّص لها الشرع الحكيم الإفطار، وعدم الصيام، كما يمكن للمرضعة فعل الأمر ذاته، وقضاء ما أفطرتا عندما تتيسر لهما الأمور، والتي توالى عليها الحمل والإرضاع لسنوات متتالية، فيمكنها الإفطار، وقضاء ما أفطرت لمّا تخرج من هذه الفترة.
✅4- كبر السن: يجوز لكبير السّن العاجز، عدم الصيام بإجماع علماء الأمة، وعليه بتقديم الفدية.