تدفع الصين نحو بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يهدف إلى اتخاذ مسار جديد للمعاملة بين الدول، وذلك من أجل توفير الظروف اللازمة لبناء مجتمع المستقبل مشترك للبشرية. وكل من الصين والجزائر يُمثلان بلدين ناميين ذوي تأثير كبير واقتصاديات ناشئة، وقد تمسك كلا الطرفين بمبادئ الاحترام المتبادل والمحافظة على العدالة والمساواة، وأكدا على الفوز المشترك، مما يعكس بشكل جيد المضمون الرئيسي لنمط جديد للعلاقات الدولية.
الجانبان متمسكان بمبدأ “الاحترام المتبادل”
منذ قديم الزمان، كان الشعبان الصيني والجزائري متقاربان تربطهما وشائج الود، ويتعاملان على أساس المساواة والدعم المتبادل. خلال حرب التحرير الجزائرية في عام 1958، كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة. في عام 1963، أرسلت الصين أول فريق طبي خارج ترابها إلى الجزائر، مما أسس تاريخ فرق طبية الصينية لمساعدة الدول الأجنبية. في عام 1971، كانت الجزائر واحدة من البلدان المؤيدة لمشروع قرار استعادة مقعد الصين الشرعي في الأمم المتحدة، وقد قدمت مساهمة بارزة في توفير منصة وفرص جديدة للتعاون الخارجي للصين الجديدة.
تعد الشراكة أساسًا هامًا لبناء نمط جديد للعلاقات الدولية. في عام 2004، أقامت الصين والجزائر علاقة التعاون الاستراتيجي، وأصبحت التبادلات بين البلدين تتعزز يوماً بعد يوم. في عام 2014، أصبحت الجزائر أول دولة عربية تقيم علاقة شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، وتم توقيع أول خطة خمسيّة للتعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين، مما ساهم بقوة في توجيه التعاون والتبادل في مختلف المجالات بين البلدين. في عام 2016، أصبحت الصين أكبر مُصدِّر سلع للجزائر، متفوقة على فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى. في عام 2018، انضمت الجزائر إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
يتبادل الجانبان الصيني والجزائري التقدير لبعضهما البعض ويتمتعان بالتعاون المثمر. يثني الجانب الجزائري على دور مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز قيم التعاون والتضامن والفوز المشترك، ويدعم المبادرات العالمية التي قدمتها الصين في مجال التنمية العالمية والأمن العالمي والحضارة العالمية. بدوره، يثمن الجانب الصيني دعم الجزائر لمبادرة التنمية العالمية بصفتها من أوائل الدول التي انضمت لـ”مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية”. وقد طلب الجانب الجزائري الانضمام إلى آلية تعاون “دول بريكس”، وأعرب الجانب الصيني عن ترحيبه بانضمام الجزائر إلى أسرة دول البريكس.
يتبادل الجانبان الصيني والجزائري الدعم الراسخ فيما يتعلق بالمصالح الأساسية والشواغل المهمة لهما. يلتزم الجانب الجزائري بسياسة “الصين الواحدة” ويعبر بوضوح عن دعمه للموقف الصيني العادل في قضايا تايوان وشينجيانغ وحقوق الإنسان، وعدم تسييس قضايا حقوق الإنسان أو استخدامها كأداة للضغط في العلاقات الدولية. يدعم الجانب الصيني الجهود التي يبذلها الجانب الجزائري للحفاظ على الأمن والاستقرار الوطنيين، ويدعم الجانب الجزائري في اتباع مسار التنمية الذي يتناسب مع الظروف الوطنية الخاص به، ويعارض تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للجزائر، ويثني على الإجراءات التنموية التي تتخذها الجزائر لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.
الدفاع المشترك عن العدالة والمساواة الدولية
تتمتع الصين والجزائر بمواقف مشابهة في الشؤون الدولية، حيث تؤيدان مبدأ التعددية الدولية وتعارضان السياسات الأحادية. يعمل البلدان على بناء نمط جديد للعلاقات الدولية ونظام دولي يستند إلى مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويتسم بالديمقراطية والعدالة والمساواة. يحافظ الجانبان على تواصل وتنسيق وثيق في الشؤون الدولية والإقليمية، ويقومان بدور مهم في الحفاظ على المصالح الشرعية للدول النامية وتعزيز السلام والاستقرار العالميين.
يشدد كلا الجانبين الصيني والجزائري على أهمية الالتزام بمبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع الشؤون الدولية وتعزيز الحلول السياسية السلمية للقضايا الساخنة في المنطقة. يدعم الجانبان حل القضية الفلسطينية وفقًا للقرارات ذات الصلة للأمم المتحدة، وضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتحقيق أمن واستقرار الشرق الأوسط. تولي الصين اهتمامًا متعاظماً لقضية فلسطين العادلة وتؤيد بقوة الجهود المبذولة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وقد بذلت جهودًا مستمرة في هذا الصدد. في 13 أكتوبر 2022، توصل 14 فصيلًا سياسيًا فلسطينيًا إلى اتفاق على المصالحة الداخلية في العاصمة الجزائرية الجزائر، وقاموا بتوقيع “إعلان الجزائر”. تقدر الصين جهود الأطراف الفلسطينية في التوصل إلى اتفاق للمصالحة الداخلية وجهود الجزائر في هذا الصدد.
في 10 مايو 2022، توصلت جمعية الصداقة الصينية مع الدول الأجنبية ورابطة جمعيات الصداقة العربية – الصينية، بما في ذلك جمعية الصداقة الصينية الجزائرية، إلى توافق واسع النطاق ووافقوا بالإجماع على “البيان الصادر عن منظمات الصداقة في الصين والدول العربية بشأن صيانة الإنصاف والعدالة في العالم وتحقيق التنمية المشتركة”. حيث ثمّن البيان بشكل كبير تمسك معظم دول العالم بموقفها الثابت من العدالة والإنصاف، والعزيمة الراسخة على الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.
التعاون والفوز المشترك يحقق نتائج عملية
في السنوات الأخيرة، تطورت العلاقات الصينية الجزائرية بشكل شامل وعميق بفضل الإرشادات الاستراتيجية للرئيس شي جين بينغ والرئيس عبد المجيد تبون. وظلت الثقة السياسية بين البلدين تتعمق بشكل مستمر، وتم تنفيذ التعاون العملي الناجح ضمن إطار البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”. في أكتوبر 2020، تم افتتاح جامع الجزائر الأعظم ذلك المشروع ذو الرمزية الخاصة في بناء “الحزام والطريق”، وأطلق عليه في الجزائر “مشروع القرن”، و”الجوهرة التي تلمع في سماء البحر الأبيض المتوسط”، تم تشييد المشروع بواسطة فرع شركة هندسة البناء الصينية التابعة للدولة(CSCEC) بالجزائر، وشركة (CSCEC) الثالثة، ويعتبر المشروع نموذجًا لانتشار الشركات الصينية في الخارج ورمزًا لصداقة الصين والجزائر. تشمل الإنجازات الهامة للتعاون الصيني الجزائري أيضًا أول قمر اصطناعي جزائري مخصص للاتصالات “ألكوم سات-1″، وملعب وهران الأولمبي، ومركز الطب الصيني التقليدي بالجزائر وغيرها من المشروعات.
ساهمت الشركات الصينية بشكل كبير في تحقيق التواصل والربط المتبادل للجزائر على المستوى المحلي والإقليمي. حيث يعتبر مشروع الطريق السيّار شرق-غرب بالجزائر الذي شاركت فيه الشركات الصينية رابطًا بين الشرق والغرب في الجزائر، حيث يمتد على طول 1216 كيلومترًا ويعد جزءًا هامًا من شبكة الطرق السريعة في منطقة المغرب العربي، وله أهمية كبيرة في تحقيق التواصل والربط الإقليمي. يُعتبر الطريق السريع الجزائري شمال-جنوب الشريان الرئيسي الذي يمتد في اتجاه الشمال والجنوب في الجزائر، وكان القسم الممتد على طول 53 كيلومترًا ويمر عبر سلسلة جبال الأطلس شمالي الجزائر والذي تولت إنشاءه شركة البناء الحكومية الصينية المحدودة، هو أصعب قسم في الطريق السريع من حيث صعوبة الإنشاء، وتم افتتاحه رسميًا في ديسمبر 2020.
في السنوات الأخيرة، اتخذت الجزائر استراتيجية للتنمية المتعددة بهدف تغيير نمط اقتصادها المعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز. في أبريل 2021، تعاونت الصين والجزائر في تمويل وتطوير مشروع منجم الحديد بغار جبيلات، الذي يحتوي على احتياطيات تبلغ 3.5 مليار طن. في مارس 2022، تأسست الشركة الجزائرية الصينية للأسمدة، حيث ستستثمر الشركات الصينية والجزائرية 7 مليارات دولار في إنشاء أول مشروع للفوسفات المدمج، وستصل الطاقة الإنتاجية السنوية إلى 5.4 مليون طن. في مايو 2022، توصلت شركة الصين للبتروكيماويات “سينوبك” وشركة المحروقات الحكومية الجزائرية “سوناطراك” لاتفاق للتعاون في تطوير حقل زرزايتين النفطي، والذي يهدف للتعاون على مدى 25 عامًا ويشمل استثمارات تبلغ 500 مليون دولار وإنتاج قرابة 100 مليون برميل من النفط.
كانت الجزائر دائمًا واحدة من أكبر أسواق المقاولات الهندسية الخارجية للصين، وواحدة من أربع دول في أفريقيا التي تستقطب أكبر استثمارات صينية. في عام 2019، أصبحت الصين أكبر مموّل تجاري للجزائر، حيث تمثل 17٪ من إجمالي وارداتها. كما ارتفع حجم التجارة بين الصين والجزائر من مليار دولار في عام 2003 إلى أكثر من 9 مليارات دولار في الفترة من 2019 إلى 2020. في نوفمبر 2022، وقع وزيرا خارجية الصين والجزائر على “الخطة الخماسية للتعاون الاستراتيجي الشامل (2022-2026)”، وهي الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل التي يتم توقيعها بين البلدين منذ إقامة شراكة استراتيجية شاملة في عام 2014. تهدف الخطة إلى تعزيز التعاون الشامل بين الصين والجزائر في مجالات التجارة، والطاقة، والزراعة، والتكنولوجيا، والفضاء، والصحة، والتبادل الإنساني، والثقافة، وتعزيز التنسيق الاستراتيجي للتنمية بين البلدين.
بمناسبة الذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر، قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأول زيارة رسمية إلى الصين منذ أن أصبح رئيساً للجزائر. عقد خلالها الرئيس شي جين بينغ والرئيس تبون مباحثات وقاما بتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات الزراعة، والنقل والمواصلات، والتكنولوجيا، والاتصالات، والتنمية المستدامة للمدن، والتجارة، والفضاء، والتفتيش والحجر الصحي، والطاقة، والتعليم، والرياضة، وأصدرا “البيان المشترك بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”. ستستمر الصين والجزائر في بناء الصداقة التقليدية والعمل المشترك تحت قيادة رئيسي البلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر.
النمط الجديد للعلاقات الدولية هو استمرار وتطوير لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وهو أيضًا تجاوز وابتكار في ميدان العلاقات الدولية التقليدية. بل إنه وسيلة مهمة وطريق للدول لمواجهة تحولات العالم وتغيرات العصر ومتغيرات التاريخ. تعمل الصين والجزائر على بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يتسم بالاحترام المتبادل، والعدالة، والتعاون والمنفعة المشتركة، لتعميق علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتوسيع المصالح المشتركة، وتعزيز الدعم المتبادل، والتصدي لمختلف الأزمات والتحديات العالمية التي تواجه العالم خلال هذه الفترة من التغيرات والاضطرابات. لما في ذلك من أثر فعلي وأهمية نموذجية، ويعزز التنمية الإقليمية ويحافظ على السلام العالمي.
بقلم/ أ.د. محفوظ وانغ قوانغدا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية
مقال نقلا عن صحيفة الشعب الصينية