هذا ايجاز مشاركة الدكتور بوزيد بومدين في ندوة علميّة بالإذاعة الوطنية حول: “الأمن الإعلامي ومُواجهة الأخبار الكاذِبة” مع مجموعة من الباحثين والإعلاميين.
#قال علي بن أبي طالب –كرّم الله وجهه-
“إعقلوا الخبر إذا سمعتموه “عَقل رِعاية” لا “عقل رواية”، فإنّ رُواة الأخبار كُثرٌ ورُعاته قليلٌ”
#الرّعاية هنا “التّعقيل” و”الضّبط” وأن يكون حقيقياً مُوافقاً للواقع “الصّدق” أما الرّواية من أجل التّضليل أو التّلاعب بالعواطِف والعقول والتّأثير على الإدراك الجماعي فهي “الكِذب” الذي يكون القصد منه “خِداع الآخرين” وأكبر خداع اليوم “الصُّورة المصْطنعة” فبحسب جون بودريال Jean Baudrillard الذي كتب عن حرب الخليج أنّها لم تقع، أي أنها وقعت “صُورة”، فالعالم بالنسبة له صُورة مزيّفة “فوق الواقع”، ومن الأمثلة آلاف الفيديوهات والصُّور التي تُحاول التّدليس وإخفاء الحقيقة، آخرها “فيديو احتفال بيوم المرأة ” بساحة مسجد وبعض مرافقه بقرية في ولاية تيزيوزو”، إنّ تلك الفيديوهات المصحُوبة بعبارات موجّهة نحو “إنتاج خِطاب الكراهيّة” الذي يعتمد منذ سنتين التّقسيم النّفسي والذّهني والثّقافي والفطري للجزائريين إلى ثُنائية إقصائية عَدائية بين عربي وبربري، بين مسلم ولاديني، بين عُقبي (عقبة بن نافع) وكسيلي، بلْه من المضحكات المبكيات تم تقسيم تاريخ الثورة التحريرية إلى بيان نوفمبر في مقابل مؤتمر الصّومام، وحاول بعضهم زيفاً وتأويلاً مُشيناً إلى اعتبار مطلب أولويّة السّياسي على العسكري منذ 1956،
#إنها الفِخاخ التّاريخيّة والثّقافيّة التي يضعها “الثّنائيون الإقصائيون” في طريق إعادة علاقتنا بهويّتنا على أسس علميّة ومستقبليّة، هؤلاء وأولئك يمارسون “اغتصاب العامّة بالكذب”، وهنا استوحي عنوان كتاب تشاكوتين Tchakotine “اغتصاب العامّة بالدّعاية السّياسية”.
#إن “الكذِب” مجاله الخِصب السّياسة والإعلام، يحترفان الكذب حين يكون العجز في مواجهة الخَصم أو يحين يحاولون تدمير دولة بجيوش سِلاحها “الصّورة” و”الوسائط الاجتماعية” ولا يخسرون شيئاً “صِفر قَتلى”، ومسلسل الكذب كتخيّل أو وهم يحشرك فيه من يريدك أن تبق مُصفّداً في أغلال خيال الأشباح الذين يمرُّون خارج كهف أفلاطون، إنها “المعرفة الوهميّة” التي لا تلحق ضررها بالفرد كما الماضي ولكن بالمجموعة، وأكبر هزيمة أمام “الحرب الإعلاميّة” العجز عن الإدراك والاستسلام النفسي والوجداني للأخبار الكاذبة والصُّور المفبركة، فلم تَعد تسليَة وترفيه فقط ولكنها دردشة تنتهي بك إلى أن تكون عنصراً مُجنداً مَسلوب الإرادة (والأمثلة عن التّجنيد في الجماعات الجهادية مثال على ذلك).
#في التّاريخ من احترف الكذب وتنفّسه “الشّمولي” و”المتطرف”، أي الذي يدعي مِلكِيّة الحقيقة ولا يرى للآخرين إلا ما يراه، وهي “فرعونيّة ناعِمة” اليوم يعاد تسويقها من خلال بعض الأحزاب اليمينية أو بعض التيارات الدّينية أو أنظمة مازالت غارقة في أساليب الماضي في الحكم، وتابعتم كيف تويتر حَجب عن رونالد ترامب التّغريد مدة اثني عشر ساعة لأنه مارس “الكذب” و “تهديد أمن الولايات المتحدة الأمريكية”، ولا أستفيض في أمثلة من العالم العربي كيف يتمّ التّلاعب بالوجْدان الدّيني على مستوى الإعلام في حروب تقليدية، أو بقضايا الهُويّة.
#إن مَصادر السلطة كما يقول ميشال فوكو: (القوّة، والثروة، والأفكار)، وقد تمتلك القُوّتين الأولى والثانية، لكن فشلك في الثّالثة هو الذي سيدمّر القُوتين السّابقتين، والأفكار في “المجتمع الشّبكي” هي القيم، والرأسمال النفسي الذي نعتبره إيديولوجية العصر الجديد ومنه مسألة “الثّقة” التي هي صمام أمان أمام الحروب السيبريانية، فهي قيمة اجتماعية وثقافية وسياسية ورمزيّة، ولا يمكن الانتصار في ذلك بخطاب أخلاقي أو طني مُتهرّئ ولكن بالذّكاء والإبداع، كأن تكون لك قنوات تلفزيونية مُبدعة وليست امتداداً لمؤسسّات قائمة أثبتت عدم النّجاعة، ومراكز بحث تفكيرية think tanks لا تنبت من رحم مؤسّسات بيروقراطية.
#هكذا يكون الأمن بالمفهوم الشامل استباقياً طبعاً مع شرط الحريّة وتوفّر فضاء التّفاعل من أجل الحقيقة وتخفيف شُحنة الشُّمولية والتّطرف عند الأفراد أو الجماعات أو المؤسّسات وجلب من يمكن أن يشكّل مساحة جديدة خارج “الثنائية الاقصائية” والأسلوب القديم في تسيير الحكم، وهكذا الانتصار في الفضاء العمومي على “الكذب” و”التهديدات السيبرانتية” هو انتصار على من نراهم أعداء مكانيين في حين هم افتراضيون، لأن “المجتمع الشّبكي” من خصائصه اللازمانية واللامكانية.
#واختم بحكمة أثريّة: ” امخضوا الرّأي مَخض السّقاء، ينتج سَديد الرّأي”، ترى من هم الماخِضون الجيّدون؟