ضرر كبير أصاب المصالح الفرنسية في الجزائر، وصانع القرار في باريس اليوم، عاجزا بل وحائرا في كيفية الحفاظ على ما تبقى من تلك المصالح.
وعلى الرغم من أن سبب الأزمة بين الجزائر وفرنسا هو ذاته الذي أدى للقطيعة مع إسبانيا، إلا أن الرد الجزائري لم يكن نفسه، لأن تشابك العلاقات مع مدريد ليس بذات العمق مع باريس.
أمس الثلاثاء التقت الشركات الجزائرية، عمومية وخاصة، مع نظيرتها الفرنسية في ملتقى بالجزائر، وهو لقاء يعد الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة قبل نحو سنة، وقد أعقب بأيام استقبال الرئيس عبد المجيد تبون لمالك كبرى شركات الشحن البحري الفرنسية، رودولف سعادة، المقرب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
كما وقعت شركة سوناطراك مع نظيرتها “توتال إنرجي” الفرنسية عقدا لاستكشاف الغاز، بعد نحو سنتين من تخلي المستثمر الفرنسي عن مشروع آخر.
هذه المستجدات توحي بعودة المياه إلى مجاريها على الصعيد الاقتصادي، غير أن الواقع يقول غير ذلك. الجزائر تريد توجيه رسالة للجانب الفرنسي مفادها أنها لا ترهن الاقتصاد بالحسابات السياسية، ولكنها بالمقابل لا تعطي أي امتياز للشركات الفرنسية كما كان في السابق.
والسؤال هنا هو، هل تقبل الشركات الفرنسية بأن تعامل في الجزائر كغيرها من الشركات الأجنبية الأخرى المنافسة لها؟ بالطبع لا، لأن الفرنسي اعتاد عندما يأتي الى الجزائر أن يعامل كالملك، هو من يملي شروطه، وذاك زمن قد ولى.
ففي سنة 2023 انسحبت شركة توتال انرجي من مشروع للبيتروكيماويات بأرزيو، بعد أشهر من حصولها على الصفقة، بعدما تبين لها أن المشروع “غير مربح”. ماذا يعني هذا؟ الانسحاب بعد رسو الصفقة عليها يعني فيما يعنيه أنها كانت تبحث عن امتيازات كما في السابق، غير أنها اكتشفت عكس ذلك.
وقبل ذلك، كان القمح الفرنسي قد خسر السوق الجزائرية، لأنه رديء النوعية وغالي الثمن ، مقارنة بمنافسه القادم من حوض البحر الأسود، لأن الذي كان يحضر دفتر الشروط لم يعد هو ذاته الذي كان يتلقى عمولات الفرنسيين ويحولها إلى تولوز حيث يقيم.
وعليه لا يستبعد أن تبقى الشركات الفرنسية غائبة عن الجزائر، أما الموجودة فيها (الجزائر)، فستنسحب لأنها ستتأكد مع مرور الوقت، أن الامتيازات التي كانت تحصل عليها لمجرد أنها فرنسية قد زالت والى الابد.
أما الانسداد السياسي والدبلوماسي المخيم على المشهد، فيبقى على حاله بل سيشتد مستقبلا، لأن صانع القرار في الجزائر، غير مستعد بعد الآن لتفويت أي استفزاز فرنسي مهما كانت طبيعته.
بقلم الصحفي محمد مسلم