شدد اللواء عبد الحفيظ بخوش المدير العام للجمارك في كلمته بمناسبة ندوة حول حماية الملكية الفكرية بنادي الموقع للجيش الوطني الشعبي بعين النعجة على أن حماية حقوق الملكية الفكرية أصبحت اليوم ضرورة ملحّة، نظرا لتأثيرها المباشر على ترقية الاقتصاد الوطني، وتحفيز الابتكار، وجلب الاستثمار، وتوفير مناخ آمن للمنافسة. وقد أولت السلطات العمومية، بتوجيه من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، اهتماماً بالغاً بمجالي الإنتاج الوطني والابتكار، حيث أصبحت الجزائر تتصدر اقتصاديات شمال إفريقيا، محقّقة قفزة نوعية في الانتعاش الاقتصادي، مما يعكس نجاح السياسات العمومية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، يعتبر الإنتاج الوطني والابتكار ركيزتين أساسيتين لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما يقتضي بالضرورة توفير منظومة فعّالة لحماية حقوق الملكية الفكرية، تصون الجهد الإبداعي، وتحمي العلامات الوطنية، وتشجّع على تطوير الصناعات ذات القيمة المضافة.
في نفس المنحى، جاءت توجيهات السّيد رئيس الجمهورية خلال لقائه بالمتعاملين الاقتصاديين يوم 13 أفريل 2025، لتؤكد من جديد التزام الدولة بمرافقة المؤسسات المنتجة، ودعم تنافسيتها، من خلال تأمين بيئة اقتصادية سليمة، تقوم على احترام قواعد المنافسة المشروعة، وهي مبادئ تتكامل مع ضرورة مكافحة التقليد، وصون العلامات التجارية، وحماية الابتكارات الوطنية.
لا يسعني هنا إلا أن أشيد بالجهود المبذولة من قبل القطاعات الوزارية المعنية، وعلى رأسها وزارات المالية، والثقافة والفنون، والصناعة والتجارة، إلى جانب الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والمعهد الوطني لحماية الملكية الصناعية وكلّ الفاعلين في هذا المجال، من أجل تعزيز آليات حماية الملكية الفكرية، وضمان انسجامها مع متطلبات السوق واقتصاد المعرفة.
السّادة الأفاضل، الحضور الكريم
لعلّ من الجدير التوقّف عنده، في هذا المقام الكريم، أنّه من أكبر الخروقات التي تمسّ بحقوق الملكية الفكرية وأكثرها انتشارًا، ما يعرف بظاهرة “التقليد”، وهي آفة خطيرة ظهرت في بداياتها كممارسات محدودة، لتتخذ مع مرور الوقت طابعًا ممنهجًا يتجاوز الحدود، حتى أصبحت تشكّل ظاهرة عالمية، تثير القلق لدى أصحاب اّلحقوق، وتهدّد اقتصاديات الدول، سواء كانت متقدمة أو سائرة في طريق النمو.
انطلاقا من هذه المعطيات، أضحى من الضروري تكريس البعد الحمائي لمختلف أصناف حقوق الملكية الفكرية، باعتبارها خطّ الدفاع الأول في مواجهة أفعال التقليد والقرصنة، وذلك من خلال منظومة مؤسساتية متكاملة تعنى باحتواء حركة المبادلات، لا سيما الخارجية منها، وضمان عدم تسرب البضائع المقلّدة إلى السوق الوطنية أو حتى إعادة تصديرها نحو دول أخرى.
في هذا السياق، تؤدي الجمارك الجزائرية دورًا محوريًا في مكافحة التعدّي على حقوق الملكية الفكرية، من خلال التصدي لظاهرة استيراد وتصدير السلع المقلدة، التي تعدّ من أخطر التحديات التي تمسّ تنافسية المنتوج الوطني، وتُلحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الوطني، فضلا عما تشكّله من تهديد مباشر لصحة وسلامة المستهلك.
وقد عملت مصالح الجمارك على تعزيز آليات الرقابة الحدودية، ورفع جاهزية فرق التفتيش، وتكثيف التعاون مع أصحاب الحقوق، فضلا عن الانخراط الفاعل في الحملات الوطنية للتحسيس والتوعية بخطورة البضائع المقلّدة، بالتنسيق مع الشركاء القطاعيين.
وإذا كان من المسلّم به التأكيد على أهمية التنسيق المشترك بين مختلف القطاعات والهيئات الفاعلة، فإنّه من الضروري التنويه كذلك بأهمية تعزيز المنظومة التشريعية والتنظيمية، بما يضمن تطوير فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التقليد، لا سيما في شقّها العملياتي، المتعلّق بآليات الكشف والتتبع، وتبادل المعلومات، والتكفل بالمتابعات ذات الصلة.