تصاعدت حدة التوتر بين حليفتين رئيستين في الخليج، السعودية والإمارات، على خلفية التطورات العسكرية الأخيرة في شرق اليمن، حيث وصفت المملكة العربية السعودية دعم دولة الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ عمليات عسكرية على حدودها الجنوبية بأنه “مؤسف” و”بالغ الخطورة”، مؤكدة أن أي تهديد لأمنها الوطني هو “خط أحمر”.
جاء ذلك في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية السعودية، ناقشت فيه التحركات العسكرية الأخيرة التي قام بها “المجلس الانتقالي الجنوبي” – المدعوم إماراتياً كما ورد في البيان – في محافظتي حضرموت والمهرة الشرقييتين اللتين تشتركان في حدود طويلة مع المملكة.
البيان السعودي.. “خطوات لا تنسجم مع التحالف”
وقالت الخارجية السعودية في بيانها: “تعرب المملكة عن أسفها لما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية”.
واعتبرت المملكة هذه الأعمال “تهديدا للأمن الوطني للمملكة، والأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية والمنطقة”. وأضافت: “الخطوات التي قامت بها دولة الإمارات بالغة الخطورة، ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم جهوده في تحقيق أمن اليمن واستقراره”.
وأكد البيان بلهجة حازمة أن “أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني هو خط أحمر، ولن تتردد المملكة حياله في اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهته وتحييده”.
خلفية الأزمة.. تحركات “الانتقالي” في حضرموت والمهرة
تبدأ خيوط هذه الأزمة مع تحركات عسكرية مفاجئة نفذتها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي – الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله – مطلع ديسمبر الجاري، أعلنت على إثرها السيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة، رافضةً دعوات محلية وإقليمية للانسحاب.
ولم تقتصر ردود الفعل على الجانب السعودي، فقد وصف “مجلس القيادة الرئاسي” اليمني – الذي يضم “الانتقالي الجنوبي” بثلاثة من أعضائه الثمانية – هذه الخطوة بأنها “إجراء أحادي يهدد الداخل اليمني ويمس أمن دول الجوار”، مما يعكس انقساماً حتى داخل الجسم الرئاسي اليمني ذاته.
تصعيد متبادل.. الإجراءات اليمنية والعملية العسكرية المحدودة
رداً على هذه التطورات، دعت السعودية الإمارات إلى “الاستجابة لطلب الجمهورية اليمنية بخروج قواتها العسكرية من الجمهورية اليمنية خلال أربع وعشرين ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف كان داخل اليمن”.
وفي خطوة أكثر حدة، أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، اليوم الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشتركة مع الإمارات، بما يفضي إلى خروج كافة قواتها من الأراضي اليمنية.
كما أعلن “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن” – الذي تقوده السعودية – فجر الثلاثاء، تنفيذ “عملية عسكرية محدودة” عبر قصف جوي استهدف أسلحة وعربات قتالية بعد وصولها على متن سفينتين إلى ميناء المكلا في محافظة حضرموت، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي.
شرخ في جدار التحالف
يأتي هذا التصريح السعودي الحاد كاشفاً عن شرخ عميق في تحالف كان يُنظر إليه على أنه متين في مواجهة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن. فبينما ركزت السعودية على دعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً واستعادة مؤسسات الدولة، دعمت الإمارات بقوة فصائل محلية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المقاومة في الساحل الغربي، مما خلق توترات مستمرة.
الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، وخاصة في نجران وعسير وجيزان، كانت دائماً نقطة حساسة لأمنها الوطني، خاصة في ظل الهجمات الصاروخية والطائفية التي نفذتها جماعة الحوثي في السنوات الماضية. أي تحركات عسكرية غير مضبوطة في المناطق اليمنية المجاورة تعتبر تهديداً مباشراً من منظور الرياض.
تساؤلات تبحث عن إجابات
يبقى السؤال: هل ستمثل هذه الأزمة منعطفاً حاداً في العلاقات السعودية-الإماراتية أم ستُحتوى سريعاً عبر قنوات الحوار الثنائي؟ وكيف سيؤثر هذا التوتر على مسار الحرب في اليمن والجهود الدولية لإحلال السلام؟ وهل ستتجاوز الإمارات المهلة التي حددتها السعودية واليمن لانسحاب قواتها؟
المشهد اليمني، المعقد أصلاً، يدخل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تتداخل التحالفات وتتصارع الأجندات، فيما يدفع الشعب اليمني ثمن هذه التوترات التي تطيل أمد الحرب وتعمق مأساته الإنسانية.
المراقبون ينتظرون الرد الإماراتي الرسمي على هذه التصريحات السعودية الحادة، والخطوات العملية التي ستتبعها الأطراف المختلفة على الأرض، في أيام قد تحدد مصير التحالف الخليجي في اليمن وتأثيره على مستقبل المنطقة.









