لم يعد خفيا على أحد أن المعضلة السياسية التي تعيشها باماكو وهي في قبضة الطغمة العسكرية الحاكمة قد حولت هذا البلد إلى بؤرة عنف تهدد أمن الساحل وغرب وشمال إفريقيا.
وتضاعفت مخاوف دول جوار مالي بعد عجز غويتا وزمرته العسكرية عن إيجاد حلول مع الفرقاء السياسيين في الشمال ونقل الجماعات الإرهابية لنشاطها نحو مناطق جديدة على غرار الحدود مع دولتي موريتانيا والسنغال فضلا عن فتح باماكو الباب واسعا للمرتزقة القادمين من هنا وهناك وتبنيها لمقاربة الثروات مقابل المزيد من الأسلحة.
السنغال في حالة تأهب قصوى
وبالفعل، فقد أعلنت السنغال عن نشر وحدات جديدة من الدرك في شرق البلاد من أجل مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة على طول حدودها مع مالي.
وتتخوف داكار من تدحرج كرة الإرهاب من باماكو نحوها وسط الفراغ الأمني الذي تعانيه الجارة الشرقية وإنكارها لحالة العجز والوهن والتي كانت نتيجتها خلال الشهر الماضي هجمات مسلحة لتنظيم القاعدة طالت بلدة ديبولي التي لا تبعد عن بلدة كيديرا في السنغال إلا بأقل من نصف كيلومتر واحد.
ويعول على الوحدات الجديدة التي تم فتحها على مستوى تامباكوندا وكيدوغو وسرايا (غرب السينغال) لكبح جماح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (ذراع القاعدة) ومنعها من توسيع نشاطها الإرهابي في بلاد التيرينغا.
وفضلا عن ذلك ستقوم هذه القوات بتغطية عجز قوات مالي في مجال مكافحة الجريمة العابرة للحدود والتهريب ومختلف التحديات الأمنية التي تواجهها السنغال بما في ذلك ضمان حماية السكان والممتلكات والسيطرة على الإقليم.
حلفاء داكار
ولمواجهة جماعة النصرة التي تنشط في دول ما يسمى بكونفدرالية الساحل الثلاث (مالي والنيجر وبوركينافاسو) ولاسيما بعد تجنيدها الواسع لإرهابيين من المنطقة أكدت سلطات دكار على ضرورة ترسيخ مناخ من الثقة بين السكان المحليين والوحدات الأمنية الجديدة من أجل تحقيق تعاون ناجع.
كما قامت مؤخرا بفرض حظر ليلي على الدراجات النارية في منطقة باكل الشرقية الممتدة على طول الحدود، بعد أن استخدمها الجهاديون في هجماتهم في مالي، بما في ذلك في ديابولي.
فرنسا تحرك رقعة الشطرنج
ولأنها ليست أول مرة (خاصة في منطقة الساحل) فإن انسحاب القوات الفرنسية عادة من أي بلد يكون متزامنا مع تغيرات في خارطة التطرف العنيف وحركة مشبوهة وغير بريئة لمختلف الجماعات الإرهابية التي تنشط في هذا الفضاء الصحراوي.
ومنذ انسحاب فرنسا من السنغال أصبح فجأة تمدد القاعدة في غرب مالي يهدد الحدود الجنوبية للسنغال بشكل مباشر وباتت البلاد التي كانت تتعاون مع القوات الفرنسية في مجال مراقبة الحدود وملاحقة الجماعات المسلحة في مواجهة الفراغ من جهة وعجز الجيران وتغول المتطرفين من جهة أخرى.
وتحاول المخابرات الخارجية الفرنسية التركيز على فكرة “الفشل الأمني” بعد مغادرة القوات الفرنسية من خلال أذرعها الإعلامية التي بدأت فعليا في نقل صورة عن هذا الفراغ مع التضخيم تارة والتركيز على عجز الحكومتين في باماكو وداكار تارة أخرى.
ومن ذلك ما تنقله لوموند حول مدينة تحت رحمة الرصاص (في غرب مالي) ومدن في السنغال تبدو فيها قوات الأمن في موقف صعب وهي تواجه غول القاعدة الذي تذكر آخيرا هذه المنطقة من إفريقيا.
وتهون ذات الأبواق من المبادرات المحلية ومن أي دور محتمل للقوات الإقليمية المشتركة في مجموعة ال 5 أو حتى القوات الأممية بدعوى ضعف التمويل وغياب التنسيق (وهما شرطان متوفران دائما تحت العباءة الباريسية).
ويواصل هذا الإعلام البائس غيه عندما يتجاهل كل برامج التكوين والتدريب التي نفذها الفرنسيون مع السنيغاليين (طوال السنوات الماضية) حين يتهمون الدرك السنيغالي بالعجز ويصيفونه بالوهن ويقولون عنه في تقاريرهم داخل أروقة “الدي جي أس أو” بأنه لا يمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع نمط الهجمات المعقدة التي شهدتها مالي مؤخرا. السؤال ماذا كنتم تفعلون في السنيغال إذن؟
لطفي فراج