الجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية
مصالح الوزير الأول
كلمة الوزير الأول،
السيد أيمن بن عبد الرحمان
بمناسبة الإحتفال بالذكرى
الثانية والخمسون لتأميم المحروقات
فبراير 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
ـ السيدات والسادة الوزراء،
ـ السيد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين،
ـ السادة أعضاء مجلس الأمة والـمجلس الشعبي الوطني،
ـ السيد الوالي والسلطات الـمدنية والعسكرية لولاية ورقلة،
ـ أيتها العاملات.. أيها العمال؛
يحتفل الشعب الجزائري اليوم بالذكرى السابعة والستون لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والثانية والخمسون لتأميم المحروقات؛ ذكرى مزدوجة عزيزة على كل جزائري؛ نستحضر فيها جميعا تضحيات أولئك الذين عايشوا تلك الفترة العصيبة، وهي في نفس الوقت محطة ملهمة لجيل الاستقلال وشباب اليوم.
وفي هذا المقام، حيث أشارككم هذا الحدث الذي يحظى بتقدير خـاص لـدى السيد رئيس الجمهورية، لا يسعني إلا أن أنحني بإجلال وإكبار أمام التضحيات الجسام لشهداء ثورتنا المجيدة، الذين غرسوا أسمى معاني الروح الوطنية والانتماء في أبناء وطننا عامة، وفي إطارات، وعاملات وعمال قطاع الطاقة الذين رفعوا التحدي عقب الإعلان عن تأميم المحروقات التاريخي في 24 فيفري 1971، من خلال ضمان استمراريةَ تشغيل المنشآت والانتاجِ بعد مُـغادَرَةِ الأجَانِب، ومواصلة بذل الجهود لتوسيع وتطوير البحث والاستكشاف من أجل تعزيز إنتاج الجزائر من المحروقات، والتطلع لتطوير هذا القطاع ليصبح صَرْحًا شَامخًا مُسَخَرًا لخدمةِ مصالح بلادنا وتنميتها.
كما لا يسعنا بهذه المناسبة، إلاّ أن نترحم على أرواح أولئك الوطنيين الأفذاذ، وفي مقدمتهم الشهيد عيسات إيدير، الذين تمكنوا، في خضم حرب ضروس ضد المستعمر، من تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي كان وظل قلعة للنضال النقابي من أجل الدفاع عن مصلحة العمال والذود عن حقوقهم المشروعة.
أيتها العاملات.. أيها العمال؛
إن قرار تأميم المحروقات التاريخي، قد سمح للجزائر ببسط سيادتها على حقولها النفطية والغازية ومنشآت النقل بالأنابيب، واستغلال مداخيلها من أجل تمويل مشاريع التنمية في القطاعات الأساسية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والتكنولوجيا واستخدامها بشكل فعال لمصلحة الشعب.
وفي هذا السياق، يجدر بنا أن نشيد بالإنجازات المحققة في قطاع المحروقات، والتي كانت بالتأكيد إيجابية إلى حد كبير، إذ استطاعت الجزائر، بسواعد عمال وعاملات قطاع المحروقات، أن تكتسب قدرات هائلة، مكنتها من إقامة قاعدة نفطية وغازية تضاهي نظيراتها من الدول المصدرة للمحروقات، بفضل المنشآت الصناعية الكبيرة التي تحوزها في مجال تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية والنقل بالأنابيب، وكذا التصدير، سواء بواسطة الأنابيب التي تربط بلادنا ببلدان الضفة الشمالية لحوض المتوسط، أو من خلال ناقلات الغاز الطبيعي الـمسال، والتي تعتبر الجزائر من رواد هذه الصناعة بإطلاقها لأول مصنع لتمييع الغاز الطبيعي في العالم “لا كامال” بأرزيو، في اوائل ستينات القرن الماضي.
وقد أفضت هذه الجهود الى استغلال أكثر من 620 حقلا للنفط والغاز، وتعزيز الإنتاج الوطني من المحروقات الذي زاد بأكثر من ثلاث مرات منذ ذكرى تأميم المحروقات، ليصل اليوم إلى حوالي 200 مليون طن معادل نفط، لاسيما الغاز الطبيعي، مما ساهم في تعزيز دور الجزائر كفاعل رئيسي على الساحة الدولية.
كما مكنت هذه الجهود من تغطية احتياجات السوق الداخلية من المواد الطاقوية والمساهمة بشكل كبير في تمويل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بفضل عائدات صادراتنا من المحروقات.
وإنني واثق ومتيقن من أن إطارات القطاع وعاملاته وعماله، قادرون بفضل ما اكتسبوه من خبرة وتجربة، على تجاوز كل الصعاب ومواجهة التحديات التي تنتظرنا، من أجل بلوغ الاهداف المتعلقة بتجديد احتياطاتنا البترولية والغازية وتجسيدها على أرض الواقع، وتطوير مشاريع الصناعة التحويلية، وتثمينها للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا الحبيب.
أيتها العاملات.. أيها العمال،
نحتفل بالذكرى 52 لتأميم المحروقات في ظل ظرف خاص يَتَسم بتطورات متعددة، اقتصادية، وطاقوية وجيوسياسية، حيث أصبحت مسألة الطاقة تتصدر المشهد الدولي، بصفتها أحد المحركات الرئيسية لتنمية اقتصاديات البلدان، مما أدى إلى سعي جلّ الدول إلى ضمان تأمينها بالإمدادات الطاقوية، وتعزيز القدرة التنافسية والاقتصادية، فضلا عن الأداء البيئي، الذي يعد حاليا من بين أبرز القضايا الهامة على الساحة الدولية.
وبالتالي، فإنه من واجبنا جميعا ومن مسؤوليتنا أن نجد أفضل السبل، وأنسب الحلول لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، بصفة مستدامة واقتصادية، مع المحافظة على النظم البيئية.
ولا يخفى على أحد أن الجزائر تمتلك قدرات هائلة في مجال الطاقة، مكنتها من تبوء مكانة مرموقة في هذا المجال، بحكم كونها أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا والمورد الثالث للغاز الطبيعي إلى أوروبا، التي تعد بدورها أهم سوق للغاز الجزائري، وذلكم ما يفسر العلاقات الوثيقة والحوار الدائم بين الجزائر ونظرائها من الدول المستهلكة، على غرار دول الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز الأمن الطاقوي وترقية الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية.
وإذ نعكف على تكثيف جهود الاستكشاف لزيادة احتياطاتنا، فإن ذلك ليس فقط لتلبية الاحتياجات المتزايدة لسوقنا المحلية فحسب، بل أيضًا من أجل تعزيز مكانتنا كرائد فعال وموثوق في الأسواق الإقليمية والدولية.
أيتها العاملات.. أيها العمال،
لقد برهنت الجزائر في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، وخاصة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، على دورها المركزي في الوفاء بالتزاماتها من أجل إمداد الأسواق العالمية بالطاقة، حيث عملت على الرفع من صادراتها من الغاز الطبيعي وتغطية حاجيات السوق الدولية، وخاصة الأوروبية، توازيا مع الأهداف المسطرة في القطاع برفع كمية الغاز المصدر على المدى المتوسط، والبحث عن أسواق جديدة تمكنها من فرض نفسها كمورد استراتيجي للطاقة في العالم نظرا لما تحوزه من إمكانيات ومميزات في استغلال هذه الموارد.
ولهذا الغرض، فإن الجزائر تتوفر على إمكانات كبيرة من حيث الإحتياطات النفطبة والغازية، غير أنها لا تزال غير مستكشفة نسبيًا، وهذا ما جعلنا نضع تكثيف جهود الاستكشاف والبحث في صميم استراتيجيتنا.
ولا شك أن قانون المحروقات الجديد من شـأنه أن يؤدي إلى مضاعفة فرص إطلاق مشاريع الاستكشاف خاصة مع الشراكة الأجنبية، وبالتالي تجديد احتياطاتنا من المحروقات، مما سيُمكننا من رفع قدرات البلاد فيما يخص الإنتاج والتصدير.
ووعيا منا بالتحدي المزدوج الذي تواجهه البلاد والمتمثل في تعزيز الأمن الطاقوي على المدى الطويل، والوفاء بالتزاماتها المستقبلية والحفاظ، من جهة أخرى، على مستوى صادرات يمكننا من تمويل اقتصادنا، فإنني أدعو من هذا المنبر، إخواني واخواتي عمال وعاملات قطاع الطاقة الى تكثيف الجهود من أجل رفع التحديات والعمل على تكريس هذه المشاريع على أرض الواقع.
فكما ناضل أسلافنا بالأمس، من أجل بسط السيادة الوطنية على ثرواتنا الطبيعية، وبرهنوا على قدرتهم على تولي مسؤولية تشغيل المنشآت النفطية بعد خروج الشركات الأجنبية معتمدين على مهاراتهم في التحكم بإتقان في مجمل صناعة النفط والغاز، التي كانت تعتبر حكرا على الشركات العالمية، فان معركة جيل اليوم هي معركة تحقيق الأمن والانتقال الطاقوي للجزائر.
وبهذه المناسبة، فإننا نجدد دعوتنا لكل الشركات والمتعاملين في قطاع المحروقات، وطنين كانوا أم أجانب، لاغتنام فرص الاستثمار المتاحة والعمل معنا على رفع قدراتنا الإنتاجية من المحروقات، لتحقيق المصالح المشتركة وضمان الأمن الطاقوي للطرفين، والمُضي قدما نحو اِنتقال طاقوي عادل وسلس في إطار تنمية مستدامة.
أيتها العاملات.. أيها العمال،
إن هذه الذكرى السعيدة تعد، كما جرت العادة، بمثابة المحطة التقييمية التي نقف فيها على ما تم إنجازه في هذا القطاع ونستشرف من خلالها المستقبل الذي يصبو إليه شعبنا، خاصة فيما يتعلق بتوفير مصادر الطاقة.
وفي هذا الإطار، فإنه يحق لنا اليوم أن نعتز بتلك القفزة النوعية التي تحققت بفضل الله ثم بفضل جهود الجميع وخاصة عمال وعاملات القطاع، من حيث الرفع من القدرة الإنتاجية لتصل سنة 2022، إلى 26 جيغاواط مقابل أقل من 1 جيجاواط في عام 1971، وتوصيل البيوت بالطاقة، حيث تعدت 99% بالنسبة للكهرباء و 65% بالنسبة للغاز، وهي نسبة تعتبر من بين أعلى النسب في المنطقة وفي العالم، وتبقى الجهود متواصلة لربط المناطق النائية والمعزولة والفلاحية والمستثمرين الخواص عبر التراب الوطني، من أجل تعزيز نمو الاقتصاد الوطني وتحسين الظروف المعيشية لمواطنينا.
من جهة أخرى, فإن إطلاق تطوير قطاع المناجم قد أصبح هو الآخر إحدى أولويات الدولة الجزائرية، بالنظر إلى إمكاناتنا من الموارد المنجمية على غرار مناجم الحديد والزنك والفوسفات، حيث عرفت هذه السنة البداية الفعلية لاستغلال منجم غار الجبيلات؛ وهي قدرات من شأنها أن تساعد في تقليل اعتمادنا على الواردات، وخلق الثروة، وتنويع صادراتنا خارج المحروقات بالإضافة إلى استحداث أكثر من 30.000 منصب شغل جديد.
وإذ اشيد بما تم انجازه لحد الآن، فاني أدعو القائمين على هذا القطاع إلى مواصلة تعزيز الدور الـمحوري لقطاع الطاقة والـمناجم في تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال الانعاش الاقتصادي والانتقال الطاقوي، بغرض الرفع من قدراتنا الإنتاجية لتلبية حاجيات البلاد من الطاقة على الـمديين الـمتوسط والبعيد، ودعم عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وإذا كان من حقنا أن نعتز بهذه الذكرى المزدوجة، وبما تحقق الى غاية اليوم، فإن ذلك يجب ألاّ يثنينا عن مواجهة التحدي الأكبر والمتمثل في تنويع اقتصادنا في المستقبل والخروج من تبعية المحروقات، والمضي بثبات نحو الانتقال الطاقوي والعمل على استغلال المزايا والمؤهلات الحقيقية المتاحة لبلادنا بما يجعلها أكثر تنافسية، بالنظر الى موقعها الجغرافي وقربها من السوق الأوروبية وكذا مجالها الشمسي الفريد ومنشآتها الأساسية الغازية والكهربائية، وهو ما يمنحنا الأفضلية ضمن مسارات التحول الطاقوي، على المدى المتوسط والبعيد.
كما تكمـن هذه الأفضلية في الفرص الكبيرة التي تتوفر عليها بلادنا بما يجعلها تصبح من بين الفاعلين الأساسيين على المستوى العالمي لتطوير شعبة الهيدروجين التي من شأنها أن تساهم بشكل فعال في نجاح مسار الإنتقال الطاقوي في البلاد، واستحداث قيم مضافة، من حيث تكوين الثروة ومناصب الشغل المستدامة.
وفي هذا الصدد، فقد تم تبني ورقة طريق لتطوير الهيدروجين، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، من أجل تمكينها من الاندماج الكامل في الديناميكية العالـمية الـمرتبطة بالانتقال الطاقوي والبيئي.
أيتها العاملات.. أيها العمال ،
في الأخير، يحثنا مشهد الطاقة العالمي على التفكير بجدية، في إعادة بناء نموذج طاقوي جديد وفعال يعتمد على استغلال عقلاني للموارد المتاحة، والدمج بين الطاقات التقليدية والحديثة مع إيلاء الأهمية اللازمة للطاقات المتجددة والاستثمار فيها بالشكل المناسب.
وبالتالي، فمن الضروري أن يتصدى القطاع لعدة تحديات، أهمها تحسين أدوات الحكم الراشد (نموذج طاقوي ونظام معلوماتي فعالين، الرقمنة والامن السيبراني)، وتعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية.
ختاما، وإذ أنقل لكم تحيات السيد رئيس الجمهورية وتشجيعاته، فإنني أتوجه الى جميع العمال الجزائريين مرة أخرى بأخلص عبارات التهاني وأصدق التمنيات بمناسبة هذه الذكرى المزدوجة.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار؛
تحيا الجزائر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته