كلمة السيد رئيس الجمهورية التي ألقاها السيد الوزير الأول،
بمناسبة الذكرى 66 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين،
والذكرى 51 لتأميم المحروقات.
24 فيفري 2022
بسم الله الرحمن والرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين
السادة أعضاء الحكومة؛
السيدات والسادة إطارات وعمال قطاع المحروقات كل ومقامه ووظيفته،
أسرة الإعلام، الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يسعدني أن أحضر معكم اليوم للإشراف، باسم السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات الـمسلحة ووزير الدفاع الوطني، على فعاليات الإحتفال بهذه الذكرى العزيزة على قلب كل جزائري باعتبارها مبعث فخر واعتزاز ومحطة نستلهم منها العبر ونغذي بها الإرادة، ويشرفني أن أتلو على مسامعكم كلمة السيد رئيس الجمهورية بهذه الـمناسبة.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل،
إن الشعب الجزائري يكون، في الرابع والعشرين من (24) فيفري من كل سنة، على موعد مع ذكرى مزدوجة .. تأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين في 1956 وتأميم الـمحروقات في 1971.
وإننا عندما نقف بعزة وشموخ، عند هذين الحدثين الوطنيين لنُجدِِّد الوفاء والإستلهام من معاني التضحية.. ونؤكد التعلق بالحرية والكرامة.. نتذكر في هذه الوقفة بإكبار وتقدير تضحيات أجيال من أسلافنا، نذروا أنفسهم عبر نضالات مريرة، وكفاح شاق وطويل، متطلعين إلى الإنعتاق من نير لاستعمار، وبناء الدولة الوطنية الـمستقلة السيّدة.
ففي تلك الأيام التي كان الشعب الجزائري يخوض حربا ضروسا ضد هيمنة الإستعمار الإستيطاني البغيض، انبرى وطنيون أفذاذ إلى جمع أولئك الرجال الطلائعيين، الـمناضلين الشجعان لتأسيس قلعة النضال النقابي تحت راية الإتحاد العام للعمال الجزائرين، بقيادة صفوة من رجالاته، وعلى رأسهم الشهيد عيسات إيدير.
وقد توارثت أجيال لاحقة من العاملات والعمال والنقابيين، ما تَحلُّوا به هؤلاء الأفذاذ من روح وطنيةٍ عالية، واستمرت على نهجهم مثلما تشهد على ذلك مواقف الـمنظمة العمالية العتيدة، في مراحل صعبة، وأمام محن وتحديات عاشتها بلادنا وتجاوزتها.. بل وانتصرت على من تربصوا بالجزائر في أوقات الشدائد، بالروح النوفمبرية الـمتأصلة.. وبالوفاء للشهداء الأبرار.. ولقد كان للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو الذي دفع من إطاراته وقيادييه شهداءً للواجب الوطني، وعلى رأسهم الشهيد عبد الحق بن حمودة، سجلا مشرفا، في كل الظروف والأوقات التي استوجبت الدفاع عن مصالح البلاد.. ورصّ الصفوف. . وتقوية الجبهة الوطنية ..
وإذ من الواجب أن نقدر، في هذه الذكرى الـمزدوجة، تضحيات العاملات والعمال في كل الـمواقع، ونترحم معهم على أرواح شهداء الواجب، ومن فقدناهم جراء جائحة كوفيد 19.. فإننا نؤكد من جديد عزمنا على مواصلة معالجة الآثار الإجتماعية والتكفل تدريجيا بإخوتنا وأخواتنا من الـمتضررين، بالسهر الدائم على متابعة السلطات العمومية، التنفيذ الصارم لكل الإجراءات والتدابير الـمتخذة الرامية إلى ضمان الحماية الاجتماعية، والقدرة الشرائية للمواطنات والـمواطنين.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل،
إنه لـمن دواعي الإكبار والإجلال أن نستعيد في هذا اليوم.. كذلك، هبّة الـمهندسين والتقنيين والفنيين الجزائريين، الذين خاضوا التحدي وكسبوا الرهان، غداة إعلان تأميم الـمحروقات في 24 فيفري 1971، وبسط السيادة على ثرواتنا.
لقد كانت عزائمهم أقوى من الصعوبات، ومكّنوا بتجندهم قطاع الطاقة من الإستمرار في الإنتاج .. ليتولى من خلفهم من كفاءات وإطارات وعاملات وعمال في القطاع مواجهة الرهانات.. وما مضاعفة الإنتاج الوطني بثلاث مرات منذ 1971، ليبلغ اليوم حوالي 200 مليون طن معادل نفط، وخاصة بالنسبة للغاز الطبيعي، إلاّ تأكيد على تلك الإرادة الوطنية القوية التي ما فتئ يتحلى بها بنات وأبناء القطاع، الذين، بفضل جهودهم، تعزّز دور الجزائر في السوق البترولية والغازية على الـمستوى الإقليمي والدولي.
كما برهن قطاع الـمحروقات على إستعداده للمساهمة في الأمن الطاقوي لشركائنا من الدول وهذا عبر تأمين التموين بالـمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي، إذ سجل نمو الإنتاج الأولي إرتفاعا محسوسا في سنة 2021، قدر بنسبة 14% للمحروقات و %23 للغاز، تماشيا مع عودة الحركية الإقتصادية العالـمية.
وفيما يتعلق بتثمين الـمحروقات، فإن الجزائر اكتسبت قدرات هائلة، حيث أصبحت تتوفر على منشآت صناعية كبيرة في مجال عمليات تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية والنقل بالأنابيب وكذا التصدير، لاسيما من خلال خطوط الأنابيب التي تربط بلادنا بقارة أوروبا، وقدرات تمييع الغاز الطبيعي وكذلك ناقلات الغاز الطبيعي الـمسال…إلخ.
وقد كُلِّلت هذه الـمجهودات بتخفيض الواردات من الـمشتقات البترولية بما يفوق 50%، خلال سنة 2021 مع التطلع إلى التوجه إلى التصدير في السنوات القليلة القادمة، كما لم تستورد أي كمية من الوقود في سنة 2021
أما بالنسبة لتوفير مصادر الطاقة للساكنة، فإننا نفتخر اليوم بأننا حققنا قفزة نوعية ومستويات من بين الأعلى في الـمنطقة، بل وفي العالم، بربط أكثر من 99% من الـمنازل بالكهرباء و 65% منها بالغاز الطبيعي، وتبقى الجهود مستمرة لربط الـمناطق النائية والـمعزولة عبر التراب الوطني بما فيها الـمحيطات الفلاحية ومختلف الـمستثمرات من أجل تحسين ظروف معيشة السكان وتعزيز الديناميكية الإقتصادية.
وبهذا الخصوص فإنني أولي بالغ الاهتمام لـمواصلة تعزيز الدور الـمحوري لقطاع الطاقة والـمناجم في تنفيذ إستراتيجية الدولة في مجال الانعاش لاقتصادي والإنتقال الطاقوي، من أجل الرفع من قدراتنا الإنتاجية لتلبية حاجيات البلاد من الطاقة على الـمديين الـمتوسط والبعيد، من خلال تطوير الطاقات الجديدة والـمتجددة.
إن هذا الإهتمام نابع من إيماننا العميق بالأهمية البالغة التي يكتسيها قطاع الطاقة والـمناجم كمحرك لتطوير القطاعات الأخرى للإقتصاد وتسريع سياسة تنويع مصادر الدخل، وهو ما تَعهدتُ به عند تَوليَّ مسؤولية رئاسة الجمهورية بالسعي إلى بناء اقتصاد وطني قوي، ومتنوع مُدّر للثروة، ومُولّد لـمناصب الشغل وصانع للرّفاه الإجتماعي، بما يعزز أمننا الغذائي ويُحصّن الأمة من التبعية القاتلة للمحروقات وجعل هذه الأخيرة مُحرك للنمو ومصدرا لتنويع الاقتصاد.
وفي هذا السياق، أؤكد حرصي على ضرورة استكمال وملاءمة الإطار القانوني للإستثمار، في كل من قطاعات الـمحروقات، والـمناجم، والطاقات الـمتجددة لتشجيع الاستثمارات .. وضمان الأمن الطاقوي للبلاد على الـمدى الطويل.
ولهذا الغرض، فإن الحكومة التي استكملت جميع النصوص التطبيقية الخاصة بقانون الـمحروقات، تعكف حاليا على إستكمال وضع الإطار القانوني الذي سيسمح بإعادة بعث الاستثمار وتسهيل وتبسيط الإجراءات الإدارية الـمرتبطة به، بما يتماشى مع البيئة الاقتصادية الحالية وترقية وجهة بلادنا للاستثمارات الأجنبية الـمباشرة.
وسيظل الهدف الرئيسي يتمثل في الحفاظ على قدرات الإنتاج والتصدير وتعزيزها، بالـموازاة مع تكثيف جهد الاستكشاف، وتحسين مراحل الاستخلاص في حقول الإنتاج، وتحقيق التشغيل الأمثل، والرقمنة، وتطبيق التقنيات الـمتقدمة وخفض التكاليف.
ومن أجل تحقيق هذا الـمسعى، فإن الدولة يحدوها العزم على مواصلة جهودها في الإستثمار في القطاع، إذ ستصل قيمة الإستثمارات في السنوات الأربعة (4) القادمة إلى أكثر من 39 مليار دولار، منها 70 %ستخصص للإستكشاف والتطوير لاسيما تحسين معدل الإسترجاع وخاصة في حقول حاسي مسعود وحاسي الرمل.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل،
تشير معظم توقعات منظمة “أوبك” إلى أن الـمحروقات، من نفط وغاز، ستبقى على مدى الخمسة وعشرين (25) سنة القادمة، مهيمنة على مشهد الطاقة العالـمي، كما أن الـمعركة الحقيقية عالـميا، في السنوات القادمة، ستكون ضد الفحم كمصدر طاقة، وهو ما جعل الـمجموعة الدولية تسعى جاهدة للتقليل من الإعتماد عليه في إنتاج الطاقة،
وفي خضم التحول نحو الطاقات الجديدة، سيحتل الغاز، مستقبلا مكانة أساسية في أعلى هرم الـمصادر الطاقوية الأولية، وهو ما يمنحنا الأفضلية، ضمن مسارات التحول الطاقوي، على الأقل خلال الثلاثين (30) سنة القادمة.
كما تكمن هذه الأفضلية في إمكانية انخراطنا في أكثر الحلول الـمناخية نجاعة، وهو الهيدروجين، لكون استخداماته تَتميّز بـ”صفر تلوث”، بحيث يمكننا اليوم الإنخراط كفاعل أساسي في الـمشاريع العالـمية والإقليمية للهيدروجين الأخضر.
والحمد لله على فضله، فبلادنا تمتلك أفضل الخيارات عالـميا في هذا الـمضمار بفضل العديد من الـميزات والإمكانيات التي تتوفر عليها، من إمكانات شمسية هائلة، وشبكة كهربائية واسعة، ومساحة كبيرة، وبُنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي، ونسيج صناعي، لاسيما ذلك الـمرتبط بإنتاج الأمونياك والهيدروجين، وكذلك الشبكة الواسعة من الجامعات ومراكز البحث.
وفي هذا الصدد، فإن بلادنا تعكف، على أساس هذه الـمزايا الـمقارنة، على وضع استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، من أجل تمكينها من الإندماج الكامل في الديناميكية العالـمية الـمرتبطة بالإنتقال الطاقوي والبيئي.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل،
إن هذا التوجه يندرج ضمن سعي الدولة إلى تعبئة جميع مواردها وتثمينها، لاسيما الطاقات الـمتجددة، خاصة وأن الجزائر، كما أسلفت، تتمتع بإمكانيات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
فضلا عن ذلك، فإن أولوياتنا تتمثل كذلك، في التركيز على ترشيد الطاقة وفعالية استخدامها مع مساهمة الطاقات الـمتجددة وتنويع مزيج الطاقة، من أجل توفير حلول شاملة ومستدامة للتحديات البيئية وكذا للحفاظ على موارد الطاقة الأحفورية وتطويرها، مما يمكننا من توفير موارد إضافية يمكن توجيهها للتصدير.
من جهة أخرى، فإن إعادة إطلاق تطوير قطاع الـمناجم وتثمين الثروات الـمنجمية تعد هي الأخرى إحدى أولويات الدولة، بالنظر إلى إمكاناتنا من الـموارد الـمنجمية، من خلال تطوير مناجم الحديد والزنك والفوسفات، التي ستساعد في تقليل اعتمادنا على الواردات، وفي تمكيننا من خلق الثروة وفرص العمل، وتنويع صادراتنا خارج الـمحروقات.
وأغتنم هذه الـمناسبة لأحيي الجهود الكبيرة التي تقوم بها الشركة الوطنية سوناطراك من أجل أن تكون رائدة في مجال الطاقة، لاسيما في ظل التحولات الطاقوية العالـمية الـمتسارعة وكذا الـمنافسة الدولية، التي تستوجب عليها تطوير نشاط الإستكشاف في الجزائر وفي الخارج، كما يجب أن تلعب دورا رياديا في مسار الإنتقال الطاقوي.
وحتى تلعب دورها كاملا، عليها تكثيف الجهود من أجل عصرنة أساليب تسييرها وفقا للمعايير الدولية مع تعزيز ديناميكية التكوين وتطوير تسيير الـموارد البشرية وفق الـمقاربة بالكفاءة والنجاعة.
كما يتطلب الأمر من كل الفاعلين في قطاع الطاقة والـمناجم الـمساهمة في رفع التحدي الخاص بتراكم الـمعرفة والـمهارة، وكذا وضع الخبرة الـمكتسبة في خدمة الصناعة الوطنية في مختلف سلاسل القيمة، بُغية الرفع من نسبة الإدماج وتحسين التحكم في عمليات التشغيل والهندسة الصناعية.
أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل،
لا يفوتني في هذه الأجواء الإحتفائية، ونحن على مقربة من الاحتفال بالذكرى الستون لاسترجاع السيادة الوطنية، أن أشيد بتضحيات ووفاء العاملات والعمال الذين استلهموا على الدوام، معاني التضحية والـمجد، والنصر من الأسلاف الأمجاد، وهم اليوم يواصلون بقناعة وإخلاص من مختلف الـمواقع .. وعلى كافة الـمستويات، الـمساهمة في بناء جزائر صاعدة وسيدة.
فإلى عاملات وعمال قطاع الطاقة .. وإلى كافة العاملات والعمال في كل القطاعات، أتوجه بالتهنئة والتحية، وأدعوهم إلى العمل سويا على ما يحقق لوطننا العزيز الـمزيد من النمو والإزدهار والرفعة.
عاشت الجزائر حرة أبية ..
والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.