رسم وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، ملامح المستقبل الذي يجب أن تتوجه نحوه الشراكة الإفريقية-الروسية، مؤكداً على ضرورة تحويلها إلى رافد أساسي لبناء نظام دولي جديد. جاء ذلك خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الإفريقية-الروسية المنعقد في القاهرة.
استهل الوزير عطاف كلمته بتوجيه الشكر “لأهلنا في مصر” على حسن الضيافة و”فائق العناية”، معبراً عن امتنانه لأصدقاء روسيا على حرصهم لإنجاح هذا الموعد الهام. وبهذه الكلمات، لم يضع الوزير فقط أساساً من الاحترام المتبادل، بل أكد على طبيعة التحالف الثلاثي (إفريقيا-روسيا-مضيف) الذي يجسده هذا المنتدى.
رؤية استراتيجية: من المجد التاريخي إلى المستقبل الواعد
أكد الوزير عطاف أن اللقاء يهدف إلى وضع “لَبِنَةً جديدة في صرح الشراكة”، مذكراً بـ”تاريخها المجيد” و”حاضرها الفريد”. لكن جوهر الرسالة كان في النظرة المستقبلية، حيث عبر عن التطلع “بكل ثقة والتزام لاستكشاف آفاقها المستقبلية الواعدة”، وهو ما يعكس إيماناً راسخاً بإمكانات هذه الشراكة تتجاوز الإطار الاحتفائي إلى الفعل الاستراتيجي.
أربع ركائز للشراكة.. التزام الجزائر بأجندة 2063
حدد الوزير عطاف بإيجاز ووضوح أربعة محاور أساسية تجسد أولويات الجزائر والرؤية المشتركة، والتي تتماهى مع أجندة إفريقيا 2063:
المحور السياسي: إنهاء الاستعمار وإقرار يوم دولي لمكافحته
جاء الموقف حاسماً وثورياً، حيث أكد الوزير على أهمية “استكمال مسار تصفية الاستعمار”، مشيراً إلى المؤتمر الدولي الذي احتضنته الجزائر مطلع ديسمبر لتجريم الاستعمار قانونياً. ودعا الوزير صراحة إلى تأسيس “يوم دولي لمكافحة هذه الظاهرة المقيتة”، وهو مقترح جريء يضع الجزائر وإفريقيا في موقع المطالب بحقوق تاريخية في النظام الدولي.
المحور الأمني.. الحلول الإفريقية ورفض التدخلات
في مواجهة “تفاقم الأخطار الإرهابية” وتصاعد “بؤر التوتر”، حيا الوزير الالتزام المشترك بمبدأ “الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية”. ووضع رؤيته بوضوح: دعم القدرات الوطنية، نبذ التدخلات الخارجية، وترقية الحلول السياسية والسلمية.
من التبادل التجاري إلى الثورة الصناعية الرابعة
رحب الوزير بنمو المبادلات التجارية، لكنه سرعان ما وجه الأنظار نحو المستقبل، محذراً من “تخلف قارتنا عن ركب الثورات” التقنية في الذكاء الاصطناعي، الرقمنة، والطاقات المتجددة. وطالب بأهمية “تمكين الدول الإفريقية من تدارك تأخرها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة” قبل أفق 2030، وهو تحول نوعي من الحديث عن التجارة إلى الحديث عن التحول التكنولوجي والتنموي.
تمثيل عادل في النظام العالمي
أشاد الوزير بالتفاهم الهادف إلى “إثبات تمثيل أكثر إنصافاً لإفريقيا في مجلس الأمن”، وتقوية تمثيلها في المؤسسات المالية والتجارية الدولية. وهو ما يضع إصبعاً على مكمن الخلل الهيكلي في الحوكمة العالمية الحالية.
شراكة ناضجة لبناء نظام دولي جديد
في ختام كلمته، ربط الوزير عطاف بين هذه التوافقات والوضع العالمي المضطرب، الذي “يشهد انحداراً في القيم، واختلالاً في الموازين”. وأعلن أن الشراكة الإفريقية-الروسية قد “راكمت من النُّضْجِ ما يؤهلها لتُشكلَ رافداً رئيسياً” لبناء نظام دولي جديد، وصفه بثلاث سمات:
نظام قائم على القانون الدولي تتساوى أمامه جميع الأمم.
نظام يرتكز على تعددية الأطراف لا تُقصي أحداً.
نظام يُعلي من مكانة الأمم المتحدة كفضاء جامع لتذويب الخلافات وتحقيق السلم للجميع “دون استثناء، ودون انتقاء، ودون تمييز”.










