في ظل ديناميكية إقليمية متغيرة، تتحرك الجزائر لإعادة ضبط تموقعها في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهذه المرة عبر بوابة ميناء مستغانم، الذي يشهد مشروعًا استراتيجيًا واسع النطاق لتوسعته وتحويله إلى منصة لوجستية إقليمية ذات أبعاد سيادية واقتصادية.
يأتي المشروع تنفيذًا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الرامية إلى تحديث الموانئ الوطنية وتحريرها من محدوديتها الهيكلية، بما يتماشى مع التحولات العميقة في الاقتصاد العالمي. وقد تم إطلاق المشروع رسميًا خلال اجتماع تنسيقي ترأسه وزير النقل، السيد السعيد سعيود، يوم الإثنين 16 جوان 2025، بمقر الوزارة، بحضور مسؤولي أهم المؤسسات الوطنية ذات الصلة، وعلى رأسهم مجمع “مدار” والمؤسسة الوطنية للأشغال العمومية SNTP.
ويهدف المشروع إلى تحويل ميناء مستغانم من منشأة إقليمية إلى قطب لوجستي وواجهة بحرية استراتيجية، تواكب التحولات الاقتصادية الوطنية والدولية، وتُساهم في ترقية أداء قطاع النقل البحري وتنويع مصادر الدخل خارج المحروقات.
مشروع طموح بأبعاد متعددة
استعرض المدير العام لميناء مستغانم خلال الاجتماع عرضًا تقنيًا شاملاً، ركّز فيه على المحاور الأساسية للمشروع، والتي تشمل:
توسيع الأرصفة وتعزيز الطاقة الاستيعابية للميناء.
تحديث البنى التحتية وفق معايير السلامة الدولية.
تطوير شبكات الربط السككي والطُرقي لتيسير انسيابية البضائع.
إدماج الرقمنة في أنظمة التسيير والمراقبة.
تعزيز الخدمات اللوجستية وتوفير بيئة أعمال محفزة للمستثمرين.
يأتي هذا التحول في ظل طموح الجزائر إلى تعزيز موقعها كمركز لوجستي إقليمي متكامل، قادر على جذب الاستثمارات وتحقيق الاكتفاء في البنية التحتية البحرية.
إشراف وطني وخبرة ميدانية
يحظى المشروع بإشراف مشترك من قطبين وطنيين: مجمع “مدار” والمؤسسة الوطنية للأشغال العمومية (SNTP)، وهما من بين المؤسسات ذات التجربة الواسعة في إنجاز المشاريع الكبرى، مما يعزز من قدرة المشروع على النجاح والتنفيذ ضمن الآجال المحددة.
وأكد ممثلو المؤسستين، خلال الاجتماع، على استعدادهم الكامل للمساهمة في إنجاح هذا الورش الاستراتيجي، مستعرضين الإمكانيات التقنية والبشرية المتوفرة، مع الالتزام بأعلى معايير الجودة.
ميناء مستغانم في قلب الرؤية الاقتصادية الجديدة
يمثل ميناء مستغانم أحد المرافق الحيوية على مستوى الجهة الغربية للبلاد، وتأتي عملية تطويره ضمن رؤية شاملة تهدف إلى:
تعزيز الصادرات الوطنية، خاصة الفلاحية والصناعية.
تقليص الضغط على موانئ الجزائر العاصمة ووهران.
دعم النشاط التجاري عبر البحر المتوسط.
خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة في قطاعي النقل والخدمات.
نحو موانئ ذكية ومستدامة
وفي ختام الاجتماع، شدد السيد الوزير على ضرورة تعزيز التنسيق بين جميع المتدخلين، لضمان التنفيذ السلس والفعّال، مؤكّدًا أن نجاح هذا المشروع يُعدّ رهانًا وطنيًا في سبيل تكريس سيادة اقتصادية حقيقية، وتنمية متوازنة لمختلف أقاليم الوطن.
في سياق متصل، كان المدير العام لشركة CMA CGM، رودولف سعاد، قد زار الجزائر كمذ ايام، حيث التقى برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. خلال هذه الزيارة، أعرب سعادة عن استعداد شركته للاستثمار في تطوير البنية التحتية للموانئ الجزائرية،. وأشار إلى أن الجزائر تمتلك إمكانيات كبيرة لتصبح نقطة محورية في التجارة بين أوروبا وأفريقيا، وأن CMA CGM مستعدة للمساهمة في هذا التحول.