فكرت أكثر من مرة في التدخل لتوضيح بعض المسائل المثارة عبر التدخلات والكتابات المختلفة، وكنت دائما أفضل عدم التدخل من باب “أحسن رد هو الصمت أحيانا”، غير أن تركيز بعض المتدخلين والمحللين والمؤثرين على بعض النقاط، يجعلها في المخيال الجماعي، مع مرور الوقت من شدة التكرار وكأنها هي “الحقيقة المطلقة”، وهو ما يعاكس الواقع تمام، ولأن بعض المحللين تجاوزوا المدى، أصبح من الضروري توضيح أهم النقاط التي جرى التركيز عليها منذ مدة زمنية وبعض النقاط المثارة حديثا.
يركز كثير من الكتاب والمحللين والمؤثرين الذين يسوقون أنفسهم أوصياء على الديمقراطية وعلى الجزائر بأن الرئيس تبون غير شرعي وأن رئاسيات 12 ديسمبر 2019 كانت مزورة. والحقيقة أن هذا التوصيف ليس في جوهره سوى “دعاية” لتشويه صورة الرئيس تبون ومن ورائه صورة الجزائر، ذلك أن المتتبعين لمجرى رئاسيات ديسمبر 2019 لاحظوا كيف أن المترشح عبد المجيد تبون هو الذي كان مستهدفا، وكانت هناك محاولات لتوجيه نتائج الانتخابات ضده، سواء بإرسال إشارات بأن الأمور أصبحت محسومة لصالح منافسيه، أو باستباق إعلان السلطة المستقلة للانتخابات للنتائج والتسويق على أن الانتخابات تتجه نحو الدور الثاني، وكل ذلك بالنسبة للعارفين، كان يدخل في سياق السعي لقطع الطريق على فوز المترشح عبد المجيد تبون.
وبحكم أنني كنت مدير الإعلام في حملة المترشح الحر عبد المجيد تبون، اجتهدت في التصدي لتلك المحاولات.
والغريب أن هذا الادعاء غير الصحيح بعدم شرعية الرئيس تبون، يأتي من أولائك الذين كانوا يقفون ضد “الحل الدستوري” أي ضد الانتخابات أصلا، وقد تبنوا حلولا “غير دستورية” تحت مسمى مرحلة انتقالية، عبر “مجلس تأسيسي” أو “حكم فدرالي” وغيرها من الحلول.
ومنه يمكن القول، أن انتصار الحل الدستور خلال مجريات الحراك الشعبي، ثم فوز الرئيس تبون برئاسيات ديسمبر 2019 كان ولا زال “غصة” بالنسبة لأنصار الحلول غير الدستورية، ولم يبق لديهم سوى الادعاء بأن “الرئيس تبون غير شرعي” ويسعون لثنيه عن الترشح لعهدة ثانية.
وبالمختصر، فإن الرئيس عبد المجيد تبون، فاز برئاسيات 2019 بشرعية كاملة غير منقوصة، وبمشاركة شعبية معتبرة في بيئة صعبة، وليس المجال لسرد التفاصيل.
أما الادعاء الآخر، فيتمثل في محاولة التشويش على رئاسيات 2024، في سعي مسبق لقطع الطريق على الرئيس تبون في حال ما إذا قرر الترشح لعهدة ثانية، من خلال التسويق لعنصرين، يتمثل الأول، مثلما كان خلال رئاسيات 2019، وحتى ما قبلها، في أن الانتخابات تهدد الوحدة الوطنية، من غير التوضيح سبب هذا الحكم، باستثناء الإشارة إلى منطقة القبائل، وهذا حكم مبالغ فيه بنسبة هلوسية، لأن نسبة المشاركة في هذه المنطقة ضعيفة منذ وقت طويل رغم تباين الأسباب، منها الضغط الإعلامي الذي يمارسونه عليها.
ومن باب “الإستشراف السياسي”، تصوّر بعض الكتاب أن رئاسيات 2024 ستكون أخطر من رئاسيات 2019 التي جرت في عز الحراك الشعبي، وهذا توقع، لكن لا يمكن أن نتوقع بدون الإستناد لعناصر موضوعية من الوقائع والمعطيات.
ومن باب الإستشراف السياسي أيضا، يحق لنا القول أن أخطر مرحلة عاشتها الجزائر، بعد مرحلة الإرهاب، هي حراك 2019، حيث كادت الجزائر أن تعيش “السودنة” قبل “سودنة السودان” عام 2023، لكن بفضل السياسيين المتمسكين بالحل الدستور كمخرج آمن للأزمات، وبفضل تبني مؤسسة الجيش هذا الخيار، تمكنت البلاد من تجاوز واحدة من أخطر أزماتها منذ الإستقلال بما فيها سيناريو “السودنة”.
وفي تجاوزهم للمدى، قال بعض المحللين، أن رئاسيات الحراك لم تحقق نتائج تذكر، في إشارة إلى أن الرئيس تبون لم يحقق نتائج كبيرة خلال أقل من 4 سنوات من عمر عهدته الرئاسية 2019-2024، وبدون تجني أو تحامل على رأيهم، نعتقد أن هذا الموضوع قابل للنقاش حتى لا نسلبهم كما يفعلون حق إبداء الرأي.
ومن هذا الباب، وبناء على ما سبق قوله من أن الحراك الشعبي كان واحدا من أخطر أزمات البلاد، يمكن القول أن أهم إنجاز للرئيس عبد المجيد تبون هو ترشحه لرئاسيات 2019 انتصارا للحل الدستوري، وبفضل ذلك تمكنت البلاد من تجاوز أزمتها الخطيرة.
ولابد من التذكير، بما كتبه مستخدمو شبكات التواصل خلال أزمة كورونا، عندما تساؤلوا قائلين ماذا كان يحدث للجزائر لو لم تجرى رئاسيات 2019؟ حيث تم تسيير الأزمة بشكل أفضل من دول عديدة.
ثم إن الإنجازات التي تحققت، يجوز لكل مواطن أن يقرأها من الزاوية التي يريد، لكن لا يصح أن نسلب الرئيس حقه من المكتسبات، حتى أن الرئيس نفسه عاتب كثيرا من الوزراء، بقوله “فيهم وعليهم”.
ومن وجهة نظري، فإن هناك مكتسبات جليلة تحققت في عهد الرئيس تبون، ويمكن مناقشتها مع الجميع بأعصاب باردة، لا أريد العودة لتعديل الدستور وتعديل القوانين، ومكاسب الطبقات الاجتماعية المختلفة، والمستفيدين من عمليات الترسيم والتوظيف، وغيرها، إنما أريد التركيز على بعض المكتسبات التي لا تقدر ماديا بالنسبة إلي وبالنسبة للمحللين الموضوعيين، ولعل أهمها ما يلي:
– تعزيز مكانة اللغة الإنجليزية في المنظومة التربوية والجامعية، بما يمنح للتلميذ والطالب وسيلة هامة للانفتاح على المعارف وعلى العالم، بعدما كان الجزائري أسيرا للغة أجنبية واحدة.
– السعي للإنضمام إلى مجموعة البريكس، بما يكسر الطوق المضروب على بلادنا في العلاقات الدولية لسنوات طويلة.
وأنا شخصيا أتمنى، أن لا نقف عند مجموعة البريكس، بل نعمل على الإنضمام إلى مجموعة شانغهاي للتعاون بصفة شريك في الحوار.
– تحقيق مكاسب كبيرة في التجارة الخارجية، حيث لأول مرة في تاريخ الجزائر تخطت البلاد حاجز 800 مليون دولار، لتصل قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات نحو 7 مليار دولار بنهاية 2023، وهناك رهان لبلوغ 15 مليار دولار بنهاية 2024، خاصة أن العوامل المشجعة على ذلك متوفرة أبرزها دخول المنطقة الحرة الإفريقية مجال العمل، وإنهاء أشغال الطريق العابر للصحراء، وفتح خط بحري مباشر مع كل من السينغال ونواكشوط، وفتح الطريق الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية، وغيرها وكل هذه العوامل وغيرها مشجعة على التصدير لأنها تقلص تكلفة نقل البضائع من جهة، وتقلص مدة وصول البضائع للجهات المقصودة في بلدان الساحل وبلدان غرب إفريقيا.
بدون أن ننسى الشروع في فتح فروع لبنوك جزائرية في بعض البلدان الإفريقية، وفتح خطوط جوية مباشرة مع بعض بلدان القارة.
– التركيز على البعد الإفريقي للجزائر، لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية واستراتيجية، فالهيئة الجزائرية للتعاون الدولي التي صب في حسابها الرئيس 1 مليار دولار، لديها هدف استراتيجي، فمن خلال المساهمة في تنمية بعض بلدان القارة الفقيرة، يمكن تطويق الجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية والتهريب وغيرها، ومن خلالها يمكن أيضا تطويق سعي بعض الدول على غرار إسرائيل من التوغل في هذه الدول من باب المساعدات.
ومن خلال المساهمة في تنمية بلدان القارة لاسيما الفقيرة منها، تصبح الجزائر في موقع أفضل للمطالبة بتمثيل القارة بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
في المحصلة، يتعين علينا، أن نعطي كل ذي حق حقه، بدون تهويل ولا تهوين، وبدون تضخيم ولا تقليل، وبدون تجاوز للمدى.