في سياق عالمي تتسارع فيه وتيرة التنافس على الموارد الاستراتيجية، تقف الجزائر اليوم على أعتاب تحول اقتصادي نوعي، مدعومة بثروات معدنية هائلة، تتصدرها احتياطات ضخمة من الحديد والمعادن النادرة. ويشكل مشروع غار جبيلات في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية الجديدة، وسط اهتمام لافت من الولايات المتحدة والصين، عملاقي الاقتصاد العالمي.
البعد الاستراتيجي لمشاريع التعدين
في حوار نادر أجرته إحدى الصحف الاقتصادية الأمريكية، صرّح سفير الجزائر في واشنطن صبري بوقادوم بأن “الموارد المعدنية الجزائرية، وخصوصًا الحديد والفوسفات والمعادن النادرة، تحظى اليوم باهتمام بالغ من طرف الشركات الأمريكية، في إطار البحث عن مصادر آمنة ومستقرة للطاقة والمواد الأولية”.
وأكد السفير أن بلاده “منفتحة على شراكات عقلانية، تحترم السيادة الوطنية وتخدم التنمية المستدامة، خصوصًا في قطاع التعدين الذي أصبح يشكل أحد أعمدة رؤية الجزائر الاقتصادية لما بعد المحروقات”.
غار جبيلات… من حلم مؤجل إلى واقع منتج
بعد عقود من الجمود، عاد مشروع غار جبيلات إلى الواجهة بقوة، حيث تم إطلاقه رسميًا في صيف 2022، بعد توقيع شراكات تقنية واستثمارية مع عدد من الشركات الصينية، أبرزها شركة سينوستيل Sinosteel، المتخصصة في المناجم والمعادن.
ويمثل هذا المشروع أحد أكبر الاحتياطات غير المستغلة عالميًا، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 3.5 مليار طن من خام الحديد عالي الجودة، موزع على ثلاثة مواقع رئيسية: غرب، وسط، وشرق غار جبيلات.
وفقًا لوزارة الطاقة والمناجم، يُنتظر أن يبلغ حجم الإنتاج الأولي حوالي 2 إلى 3 ملايين طن سنويًا، على أن يرتفع تدريجيًا إلى 50 مليون طن عند دخول المشروع مرحلته الصناعية الكاملة، بالتوازي مع استكمال مشروع السكة الحديدية بشار–تندوف– لتسهيل التصدير عبر الموانئ.
الصين والجزائر… مصالح متقاطعة
الاهتمام الصيني لا يقتصر على غار جبيلات، بل يتوسع ليشمل مشاريع أخرى في مجالات الفوسفات والمعادن النادرة، من خلال استثمارات مباشرة أو عبر شركات مختلطة. ويأتي هذا ضمن استراتيجية “الحزام والطريق” التي ترى في الجزائر بوابة قارية نحو إفريقيا وأوروبا.
وتتمثل أبرز أوجه التعاون فيما يلي:
• اتفاقية تعاون استراتيجي في مجال التعدين وعلوم الأرض.
• نقل التكنولوجيا في مجال استخراج الحديد ومعالجته.
• تطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بالمعادن النادرة محليًا، بدل تصديرها خامًا.
ويرى مراقبون أن الصين تسعى من خلال هذه الشراكات إلى تأمين سلسلة إمدادات طويلة الأمد، بعيدًا عن التقلبات الجيوسياسية، بينما تستفيد الجزائر من الخبرة الصينية في التسيير والتطوير الصناعي.
الجزائر في قلب التنافس الدولي
لا يخفى أن الاهتمام الأمريكي الأخير بقطاع المعادن الجزائري، والذي عبّر عنه أكثر من مسؤول دبلوماسي وتجاري، يأتي في ظل سعي واشنطن للحد من تبعيتها للمعادن النادرة القادمة من الصين، والتي تُستخدم في صناعات حساسة كالطاقة المتجددة، الدفاع، والتكنولوجيا المتقدمة.
وقد أكد السفير الجزائري في واشنطن أن الجزائر “لن تكون ساحة لتجاذب القوى الكبرى، بل شريكًا متوازنًا ومنفتحًا على شراكات متعددة، وفق قاعدة رابح–رابح”.