النص الكامل لرسالة السيد رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم الوطني للإمام، قرأها وزير الشؤون الدينية والأوقاف، خلال الاحتفالات الرسمية بهذه المناسبة، في ولاية بسكرة:
“بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، الجمع الكريم،
إِنَّه لَيوم مُبارك تَجتمعون فيه لإحياءِ اليوم الوطني للإمام، الذي اعتمدناه تكريمًا لـمقامِ الإمام ومكانتِه، وعرفانًا من الدولة بقيمة الإمام في منظومتـها الاجتماعية، وتاريخِها الـمشرق، فهو الذي أؤْتُمن على تَديُّن الناس وسلوكهم، وهو الذي حَمى – مع الـمخلصين من أبنائـها – قيمَ الأمة من مُحاولات الـمَسْخِ والتشويه، وَوقفَ – بالأمس – مع كلِّ أبناءِ الـمجتمع، مُجاهدًا يَذُود عن حِياضها، ويَقفُ – اليوم – مُدافعا عن الوسطية والاعتدال، مُتصدِّيًا لكلّ فكرٍ دخيلٍ يُشوِّه صورتَـها الناصعة، وهو في هذا وذاك يصطَفّ مع أبناء أمته ليساهم في بناء الوطن ونمائه.
إن ترسيمَ يومٍ للإمام هو عنوانٌ لـمعاني العرفان والأصالة والوفاء، واقترانَه بوفاة أحد أئمة الجزائر الأعلام، الذين تُسْتَلهَم من حياتـهم الحافلة العامرة العِبر، وتُؤخذ منها الأسوة والعِظات، الشيخ سيدي محمد بلكبير رحمه الله تعالى .. هو عنوانُ اعترافٍ بالفضل لأهله، فَلَقد كان الشيخ سيدي محمد بلكبير رحمه الله، امتدادا لسلسلة السند العلمي الشريف، الذي تطرّز بأمثال ساداتنا : الأمير عبد القادر، وأحمد التجاني، وسيدي أبي مدين الغوث، والـمغيلي، والأخضري، وعبد الرحمان الثعالبي، وابن باديس، واطفيش، والـمقري، وغيرهم من الأئمة الأعلام الذين تزخر بـهم صفحات التاريخ العلمي والثقافي في الجزائر، وفي كثير من البلاد الإسلامية التي امتَدَّتْ إليها أفضالهُم العلمية.
أيـها الحضور الكريم،
إنّ التقديرَ الذي يحظى به هؤلاء الأئمة الأعلام، ومن ورث علمهم الشريف في مختلف ربوع الوطن، هو تأكيدٌ لتمسّك الشعب الجزائري الأبيّ بمرجعيّته الدينية الوطنية، وتَعلُّقِه بخدمة من يَخدم الـمساجد والـمدارس القرآنية والزوايا والكتاتيب وحواضر العلم، انطلاقا من بيوت الله التي أخذتْ على عاتقها الوفاء الكامل لعهد الفاتحين، وتعيش ذكراهم كلما سنحت فرصة أو مناسبة، وما الوقوف اليوم في هذه الرحاب الطاهرة التي تحتضن ضريح الصحابي الجليل سيدنا عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، إلاّ دليل وفاءٍ، يُنبئ أن نسبنا العلمي والروحي به لم ينقطع، وأن هذه الأرض كما احتضنت جثمانه الطاهر، ستظل وفية لرسالة ديننا الإسلامي الحنيف، الذي اختلجتْ بنوره صدور آبائنا، فآمنوا به .. بل أشربت قلوبـهم حبّه، كيف لا وقد أخمد عنهم الأحقاد والعصبيات، وأذهب عنـهم داء الفرقة والشتات، وجمعهم على كلمة الخير والصلاح، ثم إنـهم لم يضنوا به على الناس، فحملوا رايته بعد ذلك عن يقين راسخ يبغون به الهداية للعالـمين، واسألوا تاريخنا الـمجيد يحدّثْكم عن القائد الكبير طارق بن زياد كيف سرى، وعن العالم الـمصلح عبد الكريم الـمغيلي كيف دجا، وأمثالهم كثير.
أيـها الجمع الكريم،
لقد شاءت حكمة الله تعالى أن تنزل بوطننا في هذا العام أحداث وملمّات، لكنّ إيماننا العميق بالله تعالى، وصدقنا في التوجه إليه سبحانه، مكّننا من تجاوز تلك الـمحن والابتلاءات، حيث تسلح الـمجتمع كلُّه بروح التضامن والإخاء، فأسهم تكافلُنا الراقي في تجاوز أوقاتٍ صعاب، وزاد الأمة تلاحما وتراحما .. ولم تُثْـنِ تلك الظروف العصيبة بلدنا، عن إحياء الذكرى الستين لاسترجاع سيادته الوطنية، وهي فرصةٌ سانحة لتذكير أطياف الـمجتمع قاطبة والشباب منـهم خاصة، بتضحيات الآباء والأجداد وبطولات الشهداء والـمجاهدين، وكان ذلك الاستعراضُ الكبير الذي شهدته الجزائر في الخامس من جويلية الفارط، صورة لروعة الجلال الذي يسكن هذا الوطن، فقد تابع الجزائريون ما وصل إليه جيشنا الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، في تلك الصورة القوية التي تشهد أنّ الجزائر الـمسالـمة الداعمة للسلم والحوار في كل مكان، الواقفة مع القضايا العادلة في العالم أجمع، تَملك من قُوةِ الدفاع والرَّدع ما يحفظ أمنَـها واستقرارها.
إنّ الجزائر الجديدة التي استكملت بناء مؤسساتـها، لا تزال في حاجة إلى جميع أبنائـها كلٌّ من موقعه، من أجل مواجهة التحديات الوطنية والدولية الحاضرة والـمستقبلية، وهو ما يدعونا إلى ضرورة بذل مزيد من الجهد والعمل لتنشئة بناتنا وأبنائنا على قيم الخير والنفع والتفاني في خدمة الوطن، والـتسلح بالعلم والـمعرفة، والآخذ بأسباب التطور والرقي.
ونحن على يقين أن أسرة الـمساجد ستُساهم بقوة بما توفر الدولة لها من إمكانات ورعاية وعناية، في النـهوض بمستوى أداء أفراد الأمة، وفاءً لعهد الشهداء الأبرار والـمجاهدين الأبطال.
الـمجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تحيا الجزائر
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.