في مشهدٍ يؤرخ لمأساة إنسانية تتفاقم في قطاع غزة، وقف الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، يوم الأربعاء في نيويورك، ليوجه رسالةً واضحة إلى مجلس الأمن مفادها أن التحرك العاجل أصبح ضرورة حتمية لوقف المجاعة التي تجتاح القطاع .
جاء ذلك خلال مداخلة بن جامع في اجتماع خصص “للوضع السائد في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية”، حيث حمّل مسؤولية المجاعة للكيان الصهيوني وحصاره الخانق، معتبراً أن مجلس الأمن الدولي “مطالب بالتحرك لفرض وقف لإطلاق النار من أجل حماية وإنقاذ أرواح الأبرياء”.
المجاعة..من تحذير إلى واقع مأساوي
لم تعد المجاعة في غزة مجرد تحذير يطلقه خبراء أو منظمات دولية، بل أصبحت واقعاً ملموساً أعلنته الأمم المتحدة رسمياً في 22 أوت الماضي. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن محافظة غزة التي تضم مدينة غزة ومحيطها تشهد مجاعة واسعة النطاق، مع توقعات بانتشارها إلى دير البلح وخان يونس بحلول أواخر سبتمبر/أيلول .
أرقام صادمة
· أكثر من 41 ألف طفل معرضون لخطر الموت نتيجة سوء التغذية الحاد
· 1.2 مليون طفل يعانون من “انعدام أمن غذائي حاد”
· أكثر من نصف مليون شخص يواجهون “جوعاً كارثياً”
الجزائر ودور قيادي في زمن الانهيار
تبذل الجزائر جهوداً دبلوماسية حثيثة للضغط على مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات ملموسة. وقد أكد السفير بن جامع أن الدفاع عن القضية الفلسطينية يقع على رأس أولويات بلاده خلال فترة عضويتها في مجلس الأمن .
ولم تتردد الجزائر في تقديم مشاريع قرارات جريئة، مثل مشروع القرار الذي وزعته مايو/أيار الماضي لوقف “القتل في رفح” . وهذا يؤكد استراتيجية الجزائر الدبلوماسية الواضحة التي لا تكتفي بالخطابات بل تقدم مبادرات ملموسة.
صرخة في قاعة الصمت: “لم يعد أحد يخشى المجاعة لأنها أصبحت واقعاً”
في كلمةٍ جمعت بين الإحصاءات الدقيقة والعاطفة الإنسانية، حذر السفير الجزائري من أن المجاعة “ستنتشر أكثر في شهر سبتمبر/أيلول إن لم يتحرك المجتمع الدولي ومجلس الأمن”. وربط بن جامع بشكل واضح بين السياسات الإسرائيلية والكارثة الإنسانية، قائلاً: “الاحتضار الذي يعاني منه اليوم قطاع غزة هو نتيجة مباشرة للسياسة الصهيونية القائمة على القتل والتدمير والإبادة”.
الصحفيون المستهدفون.. إخفاء الحقيقة
كشف الدبلوماسي الجزائري النقاب عن جانب آخر من جوانب الحرب على غزة، وهو استهداف الصحفيين بشكل متعمد لمنع إبراز الحقيقة. وقال بن جامع: “لهذا السبب يتم منع الصحفيين من دخول غزة ومن أجل ذلك يتم استهداف الصحفيين الفلسطينيين واغتيالهم”.
واستشهد بحادثتي اغتيال متعمد لصحفيين: الأولى في 10 أوت عندما تم اغتيال ستة صحفيين، والثانية يوم الاثنين عندما تم اغتيال خمسة صحفيين آخرين بمستشفى ناصر، بينهم الصحفية مريم أبو دقة .
مجلس الأمن بين الفشل والتواطؤ
وجه السفير الجزائري انتقاداً مباشراً وصريحاً لمجلس الأمن الدولي، متسائلاً: “هل سيبقى هذا المجلس مسرحاً للنواح والعويل، ترد أسواره صدى الخطابات اللامتناهية في الوقت الذي تحترق فيه غزة بسبب عدم التحرك؟”
وذهب بن جامع إلى أبعد من ذلك حين قال: “الفشل (في إيقاف المجاعة) مرادف للتواطؤ، أما الانتظار فقبول بالعار”، مؤكداً أن “وقف الإبادة ليس خياراً بل واجباً”.
ردود الفعل الدولية..بين الدعم والمماطلة
من الواضح أن موقف الجزائر يحظى بتأييد واسع من members مجلس الأمن، حيث أعلن جميع الأعضاء باستثناء الولايات المتحدة أن المجاعة في غزة “أزمة من صنع الإنسان”، وحذروا من أن استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بموجب القانون الإنساني الدولي .
ودعا الأعضاء الأربعة عشر إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة كبيرة في المساعدات في جميع أنحاء غزة، ورفع إسرائيل فوراً ودون قيد أو شرط جميع القيود المفروضة على إيصال المساعدات .
الطريق إلى الأمام.. مسؤولية أخلاقية وقانونية
أكد السفير الجزائري أن على مجلس الأمن “أن يتحرك لدواعي أخلاقية وقانونية، ويجب أن يتحرك لفرض وقف إطلاق النار من أجل حماية وإنقاذ الأرواح البريئة”. وتعهد بأن تواصل الجزائر دعوتها إلى “فرض وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط ودائم”.
ويبدو أن الضغوط الدولية على الاحتلال الصهيوني يتصاعد، خاصة مع إعلان حركة حماس عن تقديم “رد موحد” إلى الوسطاء الإقليميين والدوليين بشأن مقترح وقف إطلاق النار . وهذا قد يمثل فرصةً جديدة لوقف هذه المأساة الإنسانية.
غزة بين الموت والأمل
في الوقت الذي يستمر فيه القتل والتدمير، تبقى كلمات السفير الجزائري صرخة مدوية في أروقة الأمم المتحدة: “الوضع لم يكن ليصل إلى ما هو عليه الآن لو أن الكيان الصهيوني احترم اتفاق وقف إطلاق النار”.
المجاعة في غزة ليست قدراً محتوماً، بل هي نتيجة سياسات مفروضة بإحكام. والأمل الوحيد يكمن في ضغط دولي حقيقي يدفع مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات فاعلة تنقذ ما تبقى من أرواح في القطاع المحاصر. فكما قال السفير بن جامع: “وقف الإبادة ليس خياراً بل واجباً”.. والسؤال هو: هل سيكون المجتمع الدولي على مستوى هذا الواجب الإنساني والأخلاقي؟