تستعد الجزائر وإيطاليا لعقد القمة الحكومية السادسة رفيعة المستوى في 23 جويلية الجاري بروما، في سياق ديناميكية متسارعة تطبع العلاقات الثنائية بين البلدين على المستويين السياسي والاقتصادي. وتأتي هذه القمة تتويجًا لمسار طويل من الحوار الاستراتيجي والتعاون متعدد الأوجه، كان آخر محطاته اللقاء الذي جمع الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية لوناس مقرمان بنظيره الإيطالي ريكاردو غوايريليا في الجزائر نهاية جوان الفارط.
تشكل هذه القمة فرصة سانحة لتعميق الشراكة الاستراتيجية التي رُسمت معالمها منذ سنوات، وازدادت متانة مع التغيرات الجيوسياسية التي طرأت على الضفتين الشمالية والجنوبية لحوض المتوسط، حيث تلعب الجزائر دورًا متزايدًا كمزود طاقوي موثوق وشريك إقليمي مستقر. من جهتها، تنظر روما إلى الجزائر باعتبارها فاعلًا محوريًا في التوازن الطاقوي لأوروبا، خاصة في ظل الأزمة الأوكرانية والبحث الأوروبي المحموم عن بدائل للغاز الروسي.
ومن المنتظر أن تعرف القمة توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والمذكرات القطاعية، مع التركيز على مشاريع التعاون في مجالات الطاقة، الصناعة، البنية التحتية، الزراعة، الرقمنة، الصحة والسياحة. كما يرتقب أن تتخللها لقاءات ثنائية بين وزراء من حكومتي البلدين، بالإضافة إلى تنظيم منتدى للمستثمرين الإيطاليين والجزائريين في اليوم ذاته، سيسلط الضوء على الفرص المتاحة لتعزيز الاستثمارات الثنائية، لاسيما في قطاعي الطاقات المتجددة والتحول الصناعي.
وإذا كانت الروابط الاقتصادية تشكل القاطرة الأساسية لهذه العلاقة، فإن البعد السياسي والأمني يضفي عليها بعدًا أكثر عمقًا، بالنظر إلى تشابك المصالح في ملفات إقليمية حساسة كالوضع في ليبيا ومنطقة الساحل، وكذا في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب. ومن ثمّ، فإن لقاء 23 جويلية لا يأتي فقط لإعادة تأكيد الصداقة التاريخية بين البلدين، بل لترجمتها في مشاريع ملموسة واستشراف آفاق أوسع للتعاون في عالم متغير وسريع التقلب.
في هذا السياق، ينتظر أن تشكل القمة الحكومية السادسة محطة نوعية في مسار الشراكة الجزائرية الإيطالية، سواء من حيث رمزية التوقيت أو من حيث طبيعة الملفات المطروحة، في ظل رغبة متبادلة في ترسيخ نموذج تعاون مبني على الثقة والمصالح المتوازنة، بعيدًا عن منطق الهيمنة والاملاءات، ووفق رؤية واقعية تنظر إلى الجزائر كشريك استراتيجي، لا مجرد مزود طاقوي.