سمحت زيارة الدولة “التاريخية” التي قادت رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى تونس بدعوة من نظيره قيس سعيد، بتأكيد “حرص” قائدي البلدين على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أوسع، وذلك من خلال وضع أسس للشراكة تعتمد على توجه استراتيجي جديد.
وشهدت الزيارة التي دامت يومين وتوجت بالتوقيع على 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرامج تنفيذية مست مجالات متنوعة، نشاطا مكثفا لرئيس الجمهورية الذي أجرى بعد وصوله إلى تونس أمس الأربعاء، وسط استقبال أخوي ورسمي، محادثات مع الرئيس سعيد بقصر قرطاج توسعت إلى وفدي البلدين، واستقبل بمقر إقامته بتونس العاصمة، رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، قبل أن يترحم على شهداء تونس بروضة الشهداء المتواجدة بمنطقة السيجومي.
كما التقى رئيس الجمهورية، في اليوم الثاني والأخير من هذه الزيارة، بممثلين عن الجالية الجزائرية المقيمة بهذا البلد، وكان هذا اللقاء فرصة من أجل الاستماع إلى انشغالاتهم، حيث أعلن بهذه المناسبة أنه أسدى تعليمات لكل السفراء بضرورة “فتح قنوات الاتصال مع أبناء الجالية الجزائرية في العالم للتكفل بهم وحل مشاكلهم”، وأكد على ضرورة “مساهمة الكفاءات الجزائرية في الخارج في تنمية البلاد”.
ومن جهة أخرى، قال رئيس الجمهورية أن الحدود الجزائرية-التونسية “ليست مغلقة لأسباب أمنية أو سياسية، بل لأسباب صحية محضة”.
وتوجت زيارة الدولة، بتبني “إعلان قرطاج” الذي أكد اتفاق رئيسي الدولتين على ضرورة اعتماد “مقاربة مختلفة للتعاون من أجل وضع أسس جديدة للشراكة بين البلدين”، وأوضح أن “المحادثات الهامة التي أجراها الرئيسان، رسخت التوافق التام في تقدير مستوى علاقات التعاون والشراكة بين البلدين والرغبة المشتركة في الارتقاء بها في كافة المجالات إلى أعلى المراتب، وفتح آفاق أوسع وأرحب”.
وأضاف أن “الرئيسين اتفقا على ضرورة تبني مقاربة مختلفة عن الأطر التقليدية للتعاون من أجل وضع أسس جديدة للشراكة بين البلدين، نحو المزيد من التكامل الاستراتيجي والتنمية المتضامنة والمندمجة”، حيث أشاد الرئيسان في هذا الصدد ب”تعزيز الإطار القانوني عبر التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات من شأنها توسيع مجالات التعاون والشراكة وتوطيدها”.
وتابع إعلان قرطاج أنه “اعتبارا للدروس المستخلصة من التجارب السابقة وبالنظر إلى الإنجازات التي حققتها العلاقات بين البلدين، تداول الرئيسان في أهمية اعتماد نظرة طموحة نحو إرساء فضاء إقليمي جديد جامع ومندمج ومتكامل يقوم على القيم والمثل والمبادئ المشتركة ويوفر ردودا منسقة وناجعة للتحديات الأمنية والاقتصادية والصحية وللأحداث ولكافة التطورات الراهنة والقادمة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
وفي هذا السياق، أكد الرئيسان عزمهما على “التشاور المتواصل على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف لبلوغ الأهداف المنشودة واتخاذ التدابير الضرورية لتحقيق هذه الأهداف السامية”.
وعقب المحادثات التي جمعتهما خلال اليوم الأول من الزيارة، نشط الرئيسان ندوة صحفية مشتركة أكدا خلالها حرصهما على تمتين العلاقات “التاريخية والمتميزة” التي تجمع بين البلدين، وذلك ضمن توجه استراتيجي جديد.
وبهذا الصدد، أكد الرئيس تبون، حرص البلدين على “الدفع بالتعاون الثنائي في مختلف المجالات” من أجل الوصول إلى “اندماج اقتصادي وآفاق وحدوية وموحدة ومشتركة”، وذلك في إطار “جهود مشتركة ومتواصلة لتمتين علاقات الأخوة المتجذرة بين الشعبين الشقيقين”.
وشدد على أن هذا الحرص ينبثق عن “إرادة متقاسمة ويترجم التوجه الاستراتيجي الذي نطمح إلى أن يقوم على الاستغلال الأمثل لمقومات التقارب الإنسانية والتاريخية والثقافية”.
ولفت السيد تبون إلى أنه اتفق مع الرئيس التونسي في هذا الإطار، على أن يتم “تعزيز الإطار القانوني لتنظيم العلاقات الثنائية ضمن هذا المنظور الجديد، بالتوقيع على عدد هام من الاتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي وتوسيعه في القطاعات الحيوية للمراحل القادمة من عملنا المشترك”.
وبشأن التعاون الاقتصادي بين البلدين، جدد رئيس الجمهورية عزم البلدين على السير نحو “تكامل اقتصادي يجعل الشعبين يعيشان في رفاه”.
وأشار إلى أن “تونس هي امتداد للجزائر كما أن الجزائر امتداد لتونس” وأضاف أن “هناك سند من الجزائر للشقيقة تونس ومساعدة كاملة وشاملة حسب قدرات الجزائر”، مستطردا بالقول أن “الجزائر لن تبخل على الشقيقة تونس بأي شيء”.
ومن جهته، أكد الرئيس التونسي أن العلاقات بين الجزائر وبلاده “متميزة عبر التاريخ وستكون متميزة في المستقبل”.
وأضاف في هذا الصدد بأنه “لا يمكن مواجهة التحديات فرادى بل بتضافر جهود البلدين”، مستطردا بالقول “لقد دخلنا مرحلة جديدة في التاريخ” في إشارة منه إلى التنسيق والتعاون القائم بين الجانبين.
كما وصف السيد سعيد زيارة الرئيس تبون إلى بلاده ب”التاريخية بكل المقاييس” بالنظر إلى عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها في مختلف المجالات لاسيما في ميادين الصحة والتوأمة بين الولايات الحدودية والبث الإذاعي وغيرها، مشددا على أنه سيتم العمل على “تكريس هذه الاتفاقيات وتطبيقها على أرض الواقع”.
وفي سياق متصل، قال الرئيس سعيد: “لن أنسى أبدا الموقف الجزائري في ظل جائحة كورونا وكيف تقاسمت معنا الأكسجين”، مشيرا إلى أن الرئيس تبون أكد له خلال محادثاتهما أن البلدين “يتقاسمان كل شيء في سبيل تحقيق آمال وإرادة الشعبين الشقيقين”، مشيدا ب”وقوف الجزائر الدائم” إلى جانب تونس.
للإشارة فقد منح الرئيس التونسي، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على هامش مأدبة عشاء أقامها على شرفه، القلادة الكبرى للوسام الوطني للاستحقاق بتونس، وذلك نظير ما يقدمه من مجهودات لتحقيق تطلعات الشعب الجزائري ومساهمته المتميزة في الارتقاء بالعلاقات المتينة بين البلدين الى مستوى طموحات الشعبين الشقيقين.