#الأمير المخدوع حيّاً وميّتاً
الجَهل والكراهيّة
#هل سنشهد مستقبلا من يدعو إلى إعادة رُفات الأمير إلى دمشق؟ قد يحدُث ذلك، ولكن في كل الأحوال الأمير يعود إلى جِوار شيخه محيي الدين بن عربي الذي اختار أن يُدفن في روضته، ولقد قال مجذوب أثناء عودة الأمير إلى الجزائر زمن الرّاحل بومدين: لقد خدعتموه حيّاً وميِّتاً، فهو يرى رحيله عن شيخه بن عربي خيانة –حسب روحانيته الباطنيّة-، هكذا كان مصير الأمير أن تناله الخيانات المتكرّرة حيّاً وميّتاً، وقد يكون ذلك أيضاً من المدّعين الانتساب إليه سُلالة أو طَريقة في التّصوف.
#أفرَزت أحداثُ الرّبيع العربي إلى العَلن وفي الميديا بنوعيها القديم والجديد عَفَن النّزاعات الدّينية الطّائفيّة والعِرقيّة، وكانت ذخيرة فتّاكة لاقتتال دموي في بعض البلدان مثل ليبيا، وفي الجزائر منذ بداية الحَراك الشّعبي ظهر الاستقطاب العِرقي والتّاريخي وتولّى ذلك التهريج أو تلك الفتنة مجموعة من الذين يتّبعون ما تشابه في التّاريخ والدّين ومبلغهم من العلم قليلٌ، وهي تعبيرات عن ألَم سياسي وتاريخي كان شعوراً دفيناً ثم تَمّ التّعبير عنه بطريقة غير سليمة، فهجاء الأمازيغ وتاريخهم كان القصد منه الانتقام من سيطرة العنصرية البغيضة في بعض الإدارة الجزائرية ومؤسّساتها الاقتصادية أو قصد تحطيم الأساطير التّاريخية التي يحاول الماك (الحركة الانفصالية) والخطاب السّياسي العِرقي أن يتّخذها شَرعيّة ونشاط خيَاله المريض، كما كان تقسيم الثّورة التّحريرية إلى رؤيتين: رؤية نوفمبر، ورؤية الصُّومام، وهكذا ظهر شعار “الباديسي- النوفمبري” و”الزّواف” وغيرها من “المعجميّة العِرقية” التّافهة التي يعبثُ بها بعض السّياسيين ونُشطاء الميديا في قراءة منحَرفة وعُدوانية للذّاكرة والتّاريخ.
#الرّمزيات التاريخية المشَكِّلة لخيال الأمّة وأحلامها ومجال آدابها وفنونها ليس بالضّرورة أن تكون ذات قداسة، بل بالعكس القداسة والتّوظيف المشين لها باسم العائلة أو الشّرعية هو الذي يَضرّ بها، ونحن منذ الاستقلال كان السّطو والاستيلاء على الذّاكرة جزءاً من الحصول على الحُكم والغنيمة أو من أجل التّغلب على الخصم، ونحن نجني سنوات الاستعمال السياسي غير العقلاني والعلمي للتّاريخ والذاكرة.
#ما قيل في قناة تلفزيونية عن الأمير عبدالقادر ليس جديداً بل قيل من طرف بعض الذين اختلف معهم أو حاربهم في زمن حياته -الأمير-، ولكن لها سياقها التّاريخي وأسبابها، كما شكَّلت هذه الشّخصية جدلاً لأنها ليست عادية، وقد احتفل ماكرون في فرنسا بنابليون وانتقد بعض قرارته في إعادة إقرار العبودية ولكن يبقى نابليون مفخرة ورمزية فرنسا سُلطة وشعباً، أما نحن فتلجأ “العِرقية الكريهة” إلى تحطيم الرّموز وإحداث التنازع والتفريق العِرقي بين (العرب والبربر) وهو استعمال ثنائي قضى عليه الإسلام والثورة التحريّرية ومبادئ الجمهورية باسم الأمة الواحدة وقوانين المواطنة.
#وطبعاً تحطيم “المؤسّسة الرّمزية المشتركة” التي تقوم على الذّاكرة والتاريخ والانجاز أخطر من تحطيم “مؤسسة الجيش” أو “مؤسسات الدولة” ولعلّ تفريغ الوعي من هذه الرّمزيات وإحداث الفتنة العِرقيّة واللغوية والجهوية مقدّمات ناعمة لتحطيم الجيش والدولة.
#من هنا تصبح وظيفة النُّخب العلمية في تنوير الرأي العام وليس هذا معناه التّدليس أو مجاراة أهواء الدّجالين السياسيين كما أنّ على الدّولة افتكاك “الرمزيات والمتخيّل الشعبي” من البزناسية باسم الانتماء العائلي والأسَري، فهي مِلك الجميع وما قاله ابن عميروش عن أحفاد الأمير لا يهمنا لأن بعض ما جاء في كلامه صحيحٌ، فبعض أحفاده صاروا إسرائيليين بعد نكبة 48 بحكم هجرتهم إلى عكا وغيرها من المدن الفلسطينية، كما هو بعض أحفاد بعض المقاومين الجزائريين الذين اختاروا أن يكونوا فرنسيين أو في صفِّ الفرنسيين، فليس هناك طهارة مُطلقة أو نجاسة مطلقة في الأحفاد والمؤَرّخ برنو إتيان اطّلع على أرشيف إكس بروفانس ووجد خلافات كبيرة في الميراث بين أحفاد الأمير ولم تحلّ إلا في الخمسينات من القرن الماضي، ولذلك نحن معنيّون رمزياً وعلمياً ووطنياً بالرّموز الوطنية وليس بعائلاتهم أو محاولة استغلال ذلك من الأحفاد كشرعية مثل ما يفعل ابن عميروش برمزية والده في استغلاها.
#خدمة الأمير والوفاء له في نشر كتبه وأعماله والبحث في تفاصيل مقاومته وجهاده وتصوّفه وعِلمه، وهذا أبلغ ردّ على الذين نختلف معه، وليس في استغلال اسمه أو الحَجْر على تفكير الآخرين، كما على السّلطة الانتباه إلى مخاطِر انتشار الكراهية والخطاب العرقي، فقد وضعت قانون مجابهة الكراهية ولم تؤسّس له هيئته التي نصَّ عليها ولم تجتهد في الآليات، كما أنّ بعض مؤسّسات الذّاكرة عليها أن تجدّد خطابها ويكون على رأسها من له الأحقيّة العلمية والأخلاقية من أجل إعادة قراءة تاريخنا وترميمه وتجديد مناهج ذلك.