“قتل للأطفال ثم قطع رؤوسهم وحرق جثثهم، أما النساء، فتم اغتصابهن قبل قتلهن، إنهم يقومون بنفس الأفعال التي قام بها الدواعش”، هذا جزء من الكذبة التي أطلقها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، بعد استفاقته من هول الجحيم الذي أذاقته المقاومة في السابع أكتوبر الجاري على جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين المسلحين، ليتلقفها أولا الرئيس الأمريكي، المناصر الأول للصهاينة حاليا، جو بايدين ويرددها على أسماع وسائل إعلام كبرى كانت تصف على أنها “راعية القيم وأخلاقيات المهنة بغض النظر عن الجنس والعرق والدين”، لتتولى هذه الترسانة الإعلامية الغربية بترديد الأكاذيب بدون استحياء لتبرير قتل الأطفال والنساء والشيوخ.
تعمدت وسائل الإعلام الغربية التخلي عن أبسط قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي أثناء تغطيتها للهجمات الصهيونية في قطاع غزة، وجعلت من نفسها أداة للدعاية الصهيونية لا غير، عبر تصوير الجانب الصهيوني كضحية لعملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها “حماس”، بدون إشارة إلى عمليات القتل المتواصلة طيلة أسبوعين، وخلّفت أزيد من 4 آلاف قتيل في حصيلة مؤقتة، وقصف بأسلحة محرمة دوليا أتى على الأخضر واليابس في القطاع.
وطال مرض التحيز منصات إعلامية ذائعة الصيت مثل هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي”، والشبكة الأمريكية “سي. آن. آن”، وشبكة “آي. بي. سي نيوز”.
ونشرت شبكة “آي. بي. سي نيوز”، يوم 11 أكتوبر الجاري، تقريرا أشارت فيه إلى أن “المدنيين في قطاع غزة، يشعرون بالخوف نتيجة للضربات الإسرائيلية التي تستهدف “مقاتلي حركة حماس الإرهابية”، ويلاحظ أن مثل هذه الصياغة تعفي الكيان الصهيوني، من المسؤولية المباشرة عن قصف المدنيين، وتوحي بأن سقوط الشهداء الفلسطينيين هو نتيجة غير مباشرة للضربات الصهيونية، كما أن الشبكة ذاتها عندما تذيع أخبار القصف الصهيوني الذي يستهدف قطاع غزة، غالبا ما تتعمّد غض الطرف عن تحديد الجهة منفذة الهجوم، وتصيغ الخبر بطريقة لا تُحدّد مسؤولية منفذ الهجوم، وتستخدم صيغة المبني للمجهول، فتقول مثلا أن القطاع “تعرض لأضرار” أو “دُمر”، دون توضيح ملابسات القصف.
أما قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، لم تكتف بالانحياز الفاضح إلى الصهاينة على حساب التقتيل الذي يطال الفلسطينيين، لكنها جلبت من ينتقدون سياسة المنصات الإعلامية المحايدة، ففي تاريخ 12 أكتوبر الجاري، استضافت مايكل ألين، مساعد الأمن القومي السابق في البيت الأبيض، لينتقد سياسة وكالات الأنباء العالمية التي تلوم “إسرائيل” وليس “حماس” عما يحدث في قطاع غزة، حتى أنه دعا صراحة إلى الضغط على وسائل الإعلام لتغيير ذلك.
وأتاحت القناة ذاتها الفرصة لجوليانا جيران بيلون، الكاتبة الأمريكية، لانتقاد وسائل إعلام غربية بدعوى أنها تتبنى خطابا أقل تعاطفًا مع الصهاينة خلال العمليات العسكرية الجارية، واصفة ذلك بأنه “حالة من الحرب بين الغرب مع نفسه”.
لم يختلف الوضع كثيرا في شبكة “سي. آن. آن” الأمريكية، التي عكفت على التركيز على حياة الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، متجاهلة في الوقت ذاته حياة الفلسطينيين الذين يقتلون كل يوم جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي تحول إلى سجن كبير لأكثر من مليوني شخص من دون كهرباء أو ماء أو طعام.
لكن السقوط المدوي للإعلام الغربي في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، كان خلال الجريمة البشعة التي طالت المهجّرين في مستشفى “المعمداني”، بعد ما طالهم القصف الصهيوني مخلّفا 500 شهيد، أغلبهم أطفال ونساء ومسنون، ومع أن الحقيقة ثابتة بأن القصف تم من الصهاينة، تم ترديد أكاذيب الطرف الصهيوني بأن القصف تم من الجهاد الإسلامي، ومفاده أن الجهاد الإسلامي أطلقت صاروخا نحو الكيان الصهيوني، لكن سقط بالخطأ في باحة المستشفى! وهي كذبة لا يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال.
الكذب المفضوح للإعلام الغربي وسقوطه في وحل الكذب ولو على حساب آلاف الشهداء، جعل بعض الصحفيين العرب يقدّمون استقالتهم من مؤسسات “عريقة” يشتغلون فيها، كما هو الحال مع مراسل الشؤون المغاربية لـ”بي. بي. سي عربية” التونسي بسام بونني، والصحفيتان التونسيتان أماني الوسلاتي وأشواق الحناشي، اللتان استقالتا من القناة الإخبارية الفرنسية “سي نيوز”، وتعد “سي نيوز” كغيرها من القنوات المساندة للاحتلال الصهيوني والمعارضة لحركات المقاومة الفلسطينية.