سبق لنا في مقال صدر بيومية “Le Soir d’Algérie” تحت عنوان “عين الموساد” أن حذرنا بتاريخ 29. 11. 2019 من عمليات التجسس السيبرانية التي يمارسها الكيان الصهيوني. اليوم تكتشف الصحافة الفرنسية بكثير من التأخر أنها تقع تحت مراقبة صهيونية محكمة بفعل التحكم في المجال الإلكتروني.
تأكيدا لهذا النشاط المريب أصدرJonathan Cook دراسة تحليلية تحت عنوان “كيف تتدخل تكنولوجيات الجوسسة الإسرائيلية في حياتنا” تركز على التعرض لجهاز خطير ينتج نوعا جديدا من الأسلحة السيبرانية المدمجة سريعا في الأرضيات العالمية للرقمنة والذي يستعمله الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. *
إن الدراسة تثير مخاوف وانشغالات مبررة بسبب المخاطر والأضرار المترتبة عن استعمال جهاز التجسس المذكور والتي تمتد إلى الأشخاص المقيمين خارج الكيان الصهيوني.”فأسلحة عهد الرقمنة التي طورتها إسرائيل لقمع الفلسطينيين تتم إعادة استعمالها سريعا في تطبيقات أوسع وأكثر انتشارا ضد مواطني البلدان الغربية الذين اعتقدوا طويلا أن حرياتهم تعد من الحقوق المكتسبة”.
“إن إسرائيل التي تتمتع بموقع مشهود في مجال الابتكارات التكنولوجية مع كل ما يرافق ذلك من جوانب غامضة وتساؤلات يصعب تجاهلها، تتزعم رغم صغر حجمها الاتجار العالمي المربح في الأسلحة، بحيث إنها تبيع للأنظمة الاستبدادية عبر العالم أنظمة أسلحة مجربة ضد الفلسطينيين”.
“إن المتاجرة في العتاد العسكري تتضاءل تدريجيا لصالح سوق الأنظمة الإعلامية التي توفر للخصوم وسائل القيام بحرب سيبيرانية”.
إننا نشهد اليوم تجسيد عملية دمج التكنولوجيات الجديدة للرقمنة في صناعة الأمن الداخلي التي حذر منها منذ مدة المحلل الإسرائيلي Jeff Halper مع ما يشكل هذا التوجه من خطورة “تجعل الجميع كالفلسطينيين تماما”.
إن المخابر الإسرائيلية التي تنتج بمطلق الحرية هذه الأسلحة تجعل من “ملايين الفلسطينيين فئران تجارب يخضعون للنظام العسكري غير المسؤول” الذي يستعمل الفلسطينيين في تجاربه الرامية إلى تطوير الأسلحة التقليدية وكذا وضع أجهزة جديدة لمراقبة الجماهير والتحكم فيها.
إن مجال عملية التجسس هذه يتسع ليشمل «المراقبة المفروضة على الصحافة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والشعب الفلسطيني برمته”.
وبهذه الممارسات يمكن “لإسرائيل أن تعتد بحق بكونها قوة عالمية في مجال مراقبة وقمع الشعوب الواقعة تحت سيطرتها ونفوذها. ومع حرصها على ترك بصماتها الرقمية على جزء كبير من التكنولوجيا الجديدة، إلا أنها تجعل من تطور وسائل الإعلام الآلي حكرا على أصحاب الشهادات من وحدات الأمن والاستعلامات العسكرية المقيتة”.
إن الأبحاث العسكرية وتطبيقاتها المدنية تغذي بسخاء مقابل مبالغ باهظة المؤسسات التي “تطور أنظمة مماثلة للتطبيقات العامة” والتي تعتبر أكثر شيوعا في حياتنا الرقمية.
“فبعض التكنولوجيات الأكثر سرية المنتجة من طرف مطورين اسرائيليين تظل أكثر قربا من نموذجها العسكري الأصلي”. ومن بين هذه النماذج نذكر نظاما عدائيا وشرسا تم بيعه للدول التي تريد التجسس على مواطنيها أو الدول المتنازعة وكذا الشركات الخاصة التي تسعى إلى تحقيق مكاسب على حساب منافسيها أو التحكم في التوجهات التجارية لزبائنها واستغلالهم أكثر. “فوضع هذه الأنظمة التجسسية في أرضيات شبكات التواصل الاجتماعي التي يستعملها ملايير البشر يعطي لأجهزة الاستعلامات نفوذا واسعا وبعدا شبه عالمي”.
ضمن هذا المشهد تقام تحالفات بين الشركات التكنولوجية الإسرائيلية وla Silicon Valley التي تسعى بدورها إلى السيطرة على هذا المجال وهو ما يمكن الاستدلال عليه بحادثتين متباينتين وقعتا مؤخرا:
فـ WhatsApp وهي أرضية شبكات التواصل الاجتماعي مملوكة لـ Facebook رفعت أمام محكمة بكاليفورنيا دعوى ضد NSO وهي أكبر شركة إسرائيلية للجوسسة أسسها سنة 2010 كل من Omri Lavie وShalev Hulio وهما من خريجي وحدة الاستخبارات الإسرائيلية المعروفة وهي الوحدة 8200.
وتتهم WhatsApp، NSO بتنفيذ هجمات سيبيرانية “لمدة أسبوعين انتهت في مطلع ماي مستهدفة الهواتف المحمولة لأكثر من 1400 مستعمل من 20 دولة. وقد استخدمتNSO في العملية جهازا يسمىPegasus للتجسس على مدافعين عن حقوق الإنسان، محامين، زعماء دين، صحافيين ونشطاء في مجال المساعدات الإنسانية”.
كما منحت NSO رخصة استغلال جهاز التجسس Pegasus لعشرات الحكومات لاسيما الأنظمة المعروفة بخرق حقوق الإنسان كالمغرب.
من جهته Microsoft استثمر كثيرا فيAny Vision المعروفة بارتباطها بالاستخبارات الإسرائيلية الخاصة بسبب علاقة القرابة التي تجمع رئيسهاAmir Kain بـMalmab أي دائرة الأمن في وزارة الدفاع والتي كان إلى عهد قريب تحت وصايتها في إطار مهمة تحقيق مزيد من التطور على التكنولوجيا المعقدة الخاصة بكشف الملامح والتعرف عليها والتي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قمع واضطهاد الفلسطينيين.
“إن أبرز نظام لـAny Vision، Better Tumorrow، سمي “Occupation Google” على اعتبار قدرته المفترضة في كشف وتتبع أي فلسطيني من خلال البحث على الصور في شبكة كاميرات المراقبة الواسعة لجيش الاحتلال بالأراضي المحتلة”.
وتوجه لـ Microsoft تهمة العمل على دمج هذا النظام في برامجها الخاصة.
“وتتمثل خطورة أنظمة التعرف على الملامح في القيام بنشر عنصري وسياسي معقد للأشخاص. فجمع المعطيات وفرض المراقبة السرية عليها تلغي الحدود التقليدية بين الفضاءين الخاص والعام. كما أن حملات Doxxing الناجمة عنها تسهل ممارسة الابتزاز، الضغط، التهديد والمساس بمصداقية المعارضين أو المدافعين عن حقوق الإنسان”.
إن الشركات السيبيرانية الإسرائيلية، وهي القوة الضاربة للموساد بالخارج، تخضع باستمرار للتدريبات الموجهة لدعم عملية التأثير على الخطاب العام الخاص بالكيان الصهيوني لاسيما عن طريق التدخل في سريان عمليات الانتخاب التي تجرى بدول أجنبية.
من الأمثلة البارزة لنشاط هذه الشركات والتي شكلت عناوين الصحف العالمية الكبرى نذكر:Psy-Group التي تنشط تحت تسمية “موساد خاص للإيجار”، قبل أن يتم العام الماضي وضع حد لها بعد ما فتح FBI تحقيقا حول تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016. وحسب صحيفة le New-Yorkais فإن هذه الشركة كانت تسعى من خلال ما يعرف بـ”مشروع الفراشة” “Projet papillon إلى ضرب استقرار حركات الداخل المناهضة لإسرائيل”.
“أما Black Cube، فتمت السنة الماضية إدانتها بممارسة مراقبة عدائية على أبرز أعضاء الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسةBarack Obama. وترتبط هذه الشركة ارتباطا وثيقا بالاستعلامات الإسرائيلية حيث اتخذت من إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية مقرا لها لفترة من الزمن”.
*Jonathan Cook,How the hand of israeli spy tech reaches deep into our lives,Middle East Eye,11 novembre 2019.
How the hand of Israeli spy tech reaches deep into our lives
ملاحظة : المقال منشور في جريدة الشروق اليومي