لم يكن بيان حركة حماس مساء التاسع من أكتوبر مجرّد إعلانٍ سياسي، بل صفعةً على وجه المتخاذلين والمتواطئين
فالعالم بأسره كان ينتظر من غزة أن تنحني، فإذا بها ترفع رأسها من تحت الركام، وتوقّع حضورها في سجلات الأمم لا كضحية، بل كندٍّ كامل السيادة والإرادة.
لقد قَدّر الله أن تكون الجزائر — وليس أي بلدٍ عربي آخر — العضو العربي في مجلس الأمن خلال الحرب على غزة.
وكأن العناية الإلهية أرادت أن يُرفع صوت فلسطين بلسانٍ لا يعرف المساومة، وأن تُذكّر الجزائر العالم كلّه بأن العدالة ليست وجهة نظر، والكرامة لا تُقاس بموازين القوة، بل بموقفٍ لا يتغيّر أمام المأساة.
ومن داخل قاعة المجلس، كانت الكلمات الجزائرية تزن بصدقها ما لا تزنُه بيانات الدول الكبرى؛ كلمات خرجت من ذاكرة الثورة إلى ضمير الإنسانية.
ذلك وحده كافٍ ليقال إن الجزائر انتصرت أخلاقيًا كما انتصرت غزة ميدانيًا، وإن إسرائيل وجدت نفسها أمام جدارين من الصمود:
جدار المقاومة على الأرض، وجدار الدبلوماسية الجزائرية في مجلس الأمن.
صوت الجزائر في مجلس الأمن لم يكن غائبًا، بل حاضرًا بثبات الموقف ووضوح الرؤية، ففي الوقت الذي صمتت فيه عواصم كبرى عن المجازر، كانت الجزائر تدقّ أبواب المجلس بصوت فلسطين نفسه، مطالبةً بوقف العدوان فورًا، وبحماية المدنيين، وباحترام القانون الدولي الإنساني الذي تدوسه آلة الاحتلال كل يوم.
وفي أروقة الأمم المتحدة، كانت الجزائر تقود حملة دبلوماسية صلبة، تحشد المواقف وتواجه محاولات التلاعب بالمفاهيم…ولم تتردّد في رفع شعارها الثابت: ..فلسطين… قضية تحرّر وكرامة.
وبفضل تحركاتها المتواصلة، تبنّى مجلس الأمن مواقف أكثر توازنًا تجاه المأساة في غزة، وأُعيد الاعتبار لصوت الشعوب داخل أروقة الأمم.
الرئيس تبون عبد طريق ممثل الجزائر في مجلس الامن
في كلمةٍ له خلال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن تأهب الجزائر لتبوّء مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن “مبني على وعيها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها أمام التحديات التي تواجه المجتمع الدولي”، مشيرًا إلى أن الجزائر ستنضم إلى المجلس وهي تحمل آمال شعوب القارة الإفريقية والمنطقة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ودعا الرئيس تبون في كلمته إلى عقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما تحقق لاحقًا، إذ كان الاعتراف بدولة فلسطين من عدة دول غربية حدثًا تاريخيًا في مسار العدالة الدولية، ونتيجة مباشرة للزخم الدبلوماسي الذي كانت الجزائر أحد فاعليه على مستوى مجلس الأمن
لقد فشلت آلة الحرب في قتل الفكرة، وانهار الحديد أمام المبدأ، وغزة، التي حسبها العالم رمادًا، عادت لتؤكد أن الصمود هو أبهى أشكال النصر، وأن الجزائر ما زالت وفيةً لرسالتها الأممية: أن تكون صوت المظلومين وضمير العدالة في زمن الصمت.