في خطوة حاولت فيها الرئاسة الفرنسية طي صفحة الأزمة الحكومية القصيرة والمفاجئة، أُعلنت تشكيلة حكومية جديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو، بعد أيام فقط من استقالة حكومة غابريال أتال، التي لم تستمر سوى 14 ساعة فقط، في سابقة سياسية نادرة تثير تساؤلات حول استقرار المشهد السياسي الفرنسي في ظل البرلمان المنقسم.
وقال لوكورنو في بيانه الأول: “هدف الحكومة هو إقرار الميزانية قبل نهاية العام”، مؤكدًا على أولوية الاستقرار المالي وإدارة الملف الاقتصادي في ظل ظروف صعبة. لكن التحدي الأكبر سيتمثل في إقرار ميزانية عام 2026، وهي المهمة التي ستواجه معارضة قوية في برلمان يعاني من انقسامات حادة.
الاستمرارية في قلب التغيير
في خطوة مفاجئة للبعض، أُعيد تعيين رولان ليسكور، الحليف المقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون، وزيرًا للمالية. يُعتبر ليسكور أحد أبرز الوجوه في المشهد المالي الفرنسي، وكان قد تولى الوزارة سابقًا في حكومة أتال. عودته إلى المنصب تُرسل رسالة واضحة بأن الإدارة الاقتصادية ستستمر بنفس النهج، رغم الضغوط البرلمانية والتحديات المالية المتصاعدة.
يشير مراقبون إلى أن إعادة تعيين ليسكور تأتي في إطار محاولة ماكرون الحفاظ على استقرار السياسة الاقتصادية، خاصة مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية واشتداد المعارضة من اليمين واليسار على حد سواء. غير أن هذه الخطوة قد تواجه انتقادات من قبل المعارضين الذين يرون في ليسكور رمزًا لسياسات ماكرون التي يتهمونها بعدم المرونة في التعامل مع الأزمات المعيشية.
خروج روتايو من حسابات حكومة ماكرون: رسالة إلى الجزائر ؟
لا يمكن فصل استبعاد روتايول وأمثاله عن حسابات الحكومة الجديدة عن سياقين رئيسيين:
1. التوجه البراغماتي مع الجزائر: تواجه فرنسا حاجة ملحة لتعزيز شراكاتها الإستراتيجية، والجزائر شريك جيوسياسي وطاقوي لا يمكن تجاهله. مع أزمة الطاقة في أوروبا والتحديات الأمنية في الساحل الأفريقي، تحتاج باريس إلى علاقة أكثر استقرارًا مع الجزائر. إبقاء الأصوات العدائية مثل روتايول خارج دائرة صنع القرار يرسل رسالة طمأنة للجزائر مفادها أن الحكومة الفرنسية الحالية تفضل لغة الحوار على لغة التصعيد.
2. إستراتيجية أتال السياسية: رئيسة الوزراء الجديدة، التي تسعى لتجديد الصورة السياسية للإليزيه، تريد تشكيل حكومة تتماشى مع خط “الوسط” الذي يتبناه ماكرون. وجود شخصيات مثل روتايول، الذي يحمل خطابًا أيديولوجيًا حادًا، من شأنه أن يخلق توترات داخلية ويُعقّد من قدرة الحكومة على التحرك بمرونة في الملفات الخارجية الحساسة.
تحديات مالية وسياسية في أفق 2026
تواجه الحكومة الجديدة تحديات جسيمة، أبرزها إقرار ميزانية 2026 في برلمان منقسم، حيث لا تملك كتلة ماكرون الأغلبية المطلقة. هذا الوضع قد يدفع لوكورنو إلى البحث عن تحالفات مؤقتة مع أحزاب المعارضة، أو اللجوء إلى المادة 49-3 من الدستور لإقرار النص دون تصويت، وهو خيار محفوف بالمخاطر قد يزيد من الاحتقان السياسي.
وفي الخلفية، تلوح في الأفق أزمة اقتصادية محتملة مع ارتفاع معدلات التضخم وتزايد المطالب الاجتماعية بدعم القطاعات الهشة، ما يضع وزير المالية الجديد – أو القديم – في موقف صعب بين الالتزام بسياسة خفض العجز والاستجابة للضغوط الشعبية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه الحكومة في تجاوز الانقسامات وإقرار ميزانيتها في الوقت المحدد، أم أن استقالة الحكومة السابقة بعد 14 ساعة كانت مجرد نذير لأزمة أعمق في النظام السياسي الفرنسي؟