ستدشن الجزائر بعد 10 أيام عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الأممي، في ظل وضع أمني وإنساني مأساوي في قطاع غزة بفلسطين، وفي الساحل والسودان وفي العالم أيضا، حيث عاد خطاب التطرف والكراهية والفرز على أساس لغوي وديني وأيديولوجي ليسود المشهد، وغيرها من التوترات والصدامات التي أصابت العالم في العشرية الأخيرة وجعلته في وضع بدائي وهمجي، وعاجز عن إدارة أزماته وعن دمقرطة منظومته الأممية.
بعد 20 سنة تعود الجزائر إلى واحد من أهم الأجهزة التنفيذية للأمم المتحدة التي تأخذ قراراتها الطابع الإلزامي، غير أن هذه العهدة التي تستمر لسنتين تبدو مختلفة عما كانت عليه العهدة السابقة، إذ تميزها الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها العميقة في العلاقات الدولية، وحالة الفرز والاستقطاب التي رافقتها، إلى جانب اندلاع حرب بين المقاومة بمختلف فصائلها والكيان الصهيوني، والإبادات الجماعية والتطهير العرقي الذي يقوم به هذا الأخير ضد المدنيين بحجج واهية وغير واقعية.
وليست الساحة الإفريقية بأحسن حالا، فهي تنحدر أمنيا نحو المجهول، خاصة في مالي والسودان وليبيا حيث تدور معارك طاحنة بين أبناء الوطن الواحد، بسبب التدخلات الأجنبية لفرض تصورات على أسس أيديولوجية ومصلحية ووظيفية، أدت إلى تمزيق أوصال البلدان وتشتيت قياداتها وجعلها متصلة عضويا بمحاور وعواصم وأجندات دولية.
على صعيد سياسي، تباشر الجزائر مهامها في ظل صعود الخطاب اليميني المتطرف والازدواجية في التعامل مع القضايا العالمية، وبرزت جليا في العدوان الهمجي على غزة، وما يصاحبها من المعالجات الإعلامية الغربية الأحادية والتصريحات السياسية المأزومة بالكراهية والتصنيف والفرز الديني والأيديولوجي.
بالمقابل، تتشكل في نفس الوقت قناعة عالمية مناهضة لهذا التوجه، وتسندها الشعوب والجماهير، وتدعو إلى الالتزام بقيم ومبادئ منظمة الأمم المتحدة وإصلاحها، من خلال دمقرطتها وتحريرها من سطوة مجموعة محدودة من الدول التي عجزت عن وقف إبادة جماعية تستمر لأزيد من 70 يوما في قطاع غزة بفلسطين، بل منهم من هو مشارك فيها، على غرار الولايات المتحدة وفرنسا.
وتبرز الجزائر بخطابها الداعي إلى إصلاح المنظومة الأممية، وجرى على لسان قيادتها في عدة محافل دولية وأممية، وآخرها كلمة الرئيس عبد المجيد تبون أمام الجمعية العامة السنوية بنيويورك مؤخرا.
وأمام هذه التطورات، يتعين على الجزائر لعب أدوارها لإيصال صوت إفريقيا في المجلس الأممي، وإقناع المجتمع الدولي بتبني مقترحاتها، إضافة إلى المشاركة في صناعة الإجماع في القضايا التي تطرح أمام مجلس الأمن، عن طريق الانتخاب أو الامتناع أو في الأروقة، بالرغم من أن نظام حق النقض الذي يحوزه الأعضاء الخمسة الدائمون يسمح لهم بإجهاض أي مشروع قرار، مهما كان الإجماع والتوافق حوله.
سلوك تصويتي
ومن المتوقع أن يحدث تغيير في السلوك التصويتي للجزائر على مستوى هذا الجهاز الأممي، وانتقاله من النموذج الذي كان متبعا في عهدة 2004-2005، المنسجم كليا تقريبا مع الأعضاء الدائمين، إلى نموذج آخر تقتضيه المرحلة والسياق.
وتبين سجلات التصويت بمجلس الأمن الدولي لفترة 2004/2005 مثلا أن المواقف الجزائرية كانت متماهية بصفة شبه كلية مع مواقف الأعضاء الدائمين، وخصوصا الدول الغربية دائمة العضوية، ومن أصل 120 قرار (59 قرارا في 2004 و71 قرارا في 2005 )، دعمت الجزائر الغالبية العظمى من القرارات واللوائح، ولم تلجأ إلا في حالات استثنائية للامتناع.
وحول أولويات الجزائر في هذه العهدة الرابعة في تاريخها، صرح وزير الخارجية أحمد عطاف: “لدينا 3 فئات من الأولويات، في مقدمتها أولوية عالمية مثل تحسين نظام الأمن الجماعي وإعادة تأهيل التعددية وتعزيز الحل السلمي للنزاعات، ثم أولوية ثانية تتعلق بصراعات محددة في منطقتنا الإفريقية”، أما الأولوية الثالثة للجزائر فتتعلق بالمسائل المؤسسية، ولا سيما “إصلاح مجلس الأمن”. ووفق عطاف فإنه “من واجبنا العمل داخل مجلس الأمن لإيجاد حلول سياسية لهذه الأزمات، كالأزمات في ليبيا والسودان ومالي، إلى جانب الصراع في الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية”.
وتنطلق دعوات عطاف لإصلاح مجلس الأمن من افتقاد إفريقيا للتمثيل بمقعد دائم في الهيئة الأممية، وهي “القارة الوحيدة التي ليس لها مقعد دائم في مجلس الأمن”، يضيف المتحدث، معتبرا حتى التمثيل عبر المقعد غير الدائم “ليس عادلاً للسكان الأفارقة”.
كما تأتي فكرة الإصلاح في نظر الوزير انطلاقا من “مشكلة أخرى تتعلق بإضفاء الطابع الديمقراطي على صنع القرار على المستوى الدولي، ولا سيما داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجلس الأمن”، يضيف الوزير.