أشرف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان اليوم على التنصيب الرسمي للمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، وذلك تنفيذا ً للتعليمات السامية للسيد رئيس الجمهورية، التي تفضل بإسدائها خلال ترأسه لفعاليات الطبعة الأولى لـ “الوسام الشرفي للتصدير”، يوم الثلاثاء 11 جويلية 2023.
إن تنصيب هذه الهيئة الاستشارية، الآلية المؤسساتية عالية المستوى، يعد في واقع الأمر مرحلة فارقة، تترجم الوتيرة المتسارعة التي ارتأى السيد رئيس الجمهورية إعطائها للجهود المبذولة تحقيقا لرهان ترقية الصادرات خارج المحروقات، وهي إحدى الورشات الكبرى والهامة للإصلاح العميق للاقتصاد الوطني، التي تعهد بها في برنامجه، وقد شهدنا جميعا، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، نتائجها الملموسة بل والباهرة، من خلال الوثبة التي عرفتها قيمة الصادرات خارج المحروقات، التي نتمني آن تواصل منحاها التصاعدي وسوف نعمل سوية من أجل استمراريته.
وحُقَ لهذا الإنجاز أن يوصف بخير الأوصاف٬ إذا ما وضعناه في سياقه العام الوطني والدولي، وبصفة خاصة تزامنه مع الازمة الصحية التي لم يسبق لها نظير، والتي شلت إلى حد بعيد حركية الاقتصاديات العالمية وأحدثت اضطرابات كبيرة في سلاسل القيم و سلاسل الإمداد وفي الأسواق العالمية، لاسيما سوق أسعار المواد واسعة الاستهلاك.
هذه الإنجازات في الشق الاقتصادي، وما صاحبها من عودة قوية لبلادنا على الصعيد الدبلوماسي، تندرج في إطار مسار وضع الجزائر في المكانة الحقيقية التي تليق بها في صرح الأمم، بل في موقعها الطبيعي ضمن الدول الكبرى، بحكم ما حباها الله به من موقع استراتيجي كبوابة بين إفريقيا وأوروبا وثروات طبيعية ومؤهلات بشرية هائلة، آن لها أن تستغل أحسن استغلال، وإرث حضاري وتاريخي ثقيل، زادته لمعانا مواقف بلادنا المشرفة والحكيمة والمسموعة في المحافل الدولية، في كل القضايا الدولية والإقليمية الكبرى.
وقد تحقق ذلك بفضل الحوكمة الرشيدة التي وضع أسسها ومعالمها الكبرى السيد رئيس الجمهورية، من خلال رزمة متكاملة من الإصلاحات التشريعية والعملية التي تم تجسيدها فعليا من أجل تحرير الاقتصاد الوطني و تحرير المبادرة والاستثمار من كل القيود وتوفير البيئة الملائمة لتحسين مناخ الأعمال.
إن هذا المسعى، يندرج في إطار المسار التنموي الوطني الذي شرع فيه بخطى ثابتة تجسيدا للمحور الثاني من البرنامج الرئاسي و الذي عنوانه “من أجل إقامة نموذج اقتصادي جديد قائم على تنويع النمو واقتصاد المعرفة”، يستند إلى مقاربة شاملة ترتكز لاسيما على :
1. تنفيذ سياسة جديدة للتنمية خارج المحروقات، من خلال تثمين الإنتاج الوطني الزراعي والصناعي والخدماتي وضبط الواردات وإحلالها بالمنتوج الوطني، وتشجيع اقتصاد المعرفة وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وتطهير الفضاء التجاري،
2. إصلاح المنظومة الوطنية في مجال الاستثمار ورفع كل العراقيل والاختلالات، عبر إصدار قانون الاستثمار الجديد رقم 22-18 المؤرخ في 24 جويلية 2022 وكل نصوصه التطبيقية، مع التنصيب الفوري للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومباشرة نشاطها، حيث بدأت البوادر الإيجابية لعملها تبرز للعيان، لاسيما في مجال تحرير فعل الاستثمار والمرافقة الحثيثة للمستثمرين، مع استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهي الإصلاحات التي ستكتمل مع صدور النصوص التشريعية الأخرى المرتبطة لاسيما بالعقار الصناعي، بما يضمن ضبط العقار وتوفيره وتهيئته لتوطين الاستثمارات، مع تعزير الحماية القانونية للعقار بكل أنواعه، ومجابهة التعدي عليه بكل صرامة.
وكدليل على نجاعة هذه المقاربة وهذا الإطار التشريعي و التنظيمي الجديد المؤطر للاستثمار٬ تجدر الإشارة الى ان عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة٬ الحائزة على كل الشروط و التحفيزات الى غاية 20 جويلية 2023 ٬ قد بلغ 2984 مشروع٬ منها 2923 محلية و 21 مشروع بشراكة اجنبية٬ بمجموع استثمارات يقدر بــ 1694 مليار دينار جزائري٬ و مؤشر خلق مناصب الشغل بأكثر من 76300 منصب شغل.
3. تجسيد الإصلاح المالي والمصرفي، لاسيما من خلال تبسيط وتسهيل عملية تمويل الاقتصاد وتنويع عروض التمويل وتعميم استخدام وسائل الدفع الحديثة وإنشاء بنوك متخصصة وضمان الدعم والمرافقة المالية للمستثمرين والمؤسسات الخلاقة للثروة ومناصب الشغل من طرف البنوك، مع تعزيز حوكمة هذه الأخيرة وانتشارها، بما في ذلك خارج الوطن، وقد تم وضع الأسس المتينة لهذه الحوكمة من خلال القانون الجديد رقم 23-09 المؤرخ في 21 جوان 2023 المتضمن النظام النقدي والمصرفي،
فتمويل الاقتصاد الوطني من طرف البنوك٬ خاصة العمومية منها قد بلغ نسبة غير مسبوقة٬ بفعل الاليات التمويلية الجديدة المستخدمة من طرف البنوك٬ وكذا السرعة في دراسة ملفات القروض٬ اذ بلغ مجموع القروض الممنوحة للاقتصاد الوطني الى غاية 30 جوان 2023 ٬ ما يقدر بــ 10294 مليار دينار جزائري٬ بزيادة تقدر بــ 1٫77 مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة 2022 ٬ و هو ما ينم عن الحركية الاقتصادية و التجارية الكبيرة و المتنامية التي تشهدها بحمد الله تعالى.
4. تنفيذ سياسة تجارية منسجمة للانفتاح على الاقتصاد العالمي، من خلال الانضمام إلى مناطق التبادل الحر القارية والإقليمية ومناطق التجارة الحرة مع البلدان المجاورة، وفق مقاربة استباقية تصون المصالح الاقتصادية لبلادنا وتضمن خلق أسواق جديدة ومضمونة للمنتوج الوطني، مع تعزيز القدرات في مجال النقل واللوجستية وفتح خطوط جوية وبحرية جديدة وإعادة تأهيل وإصلاح حوكمة الموانئ والمطارات والشركات الوطنية للنقل الجوي والبحري وتعزيز قدراتها.
و من جهة أخرى٬ وبهدف الترويج و التعريف بالمنتوج الوطني٬ و تطبيقا للتعليمات السامية للسيد رئيس الجمهورية٬ تعمل الحكومة على الانتهاء من ملف فتح ملحقات للوكالة الوطنية للتصدير « ALGEX » على مستوى عدد من الدول الافريقية .
و بالنسبة للتحفيزات الجبائية التي قدمتها الدولة لترقية و تشجيع التصدير٬ لابد أن أشير الى الإجراءات الجبائية والجمركية التي قدمتها الدولة عموما٬ و من بينها خاصة الاعفاء من الضريبة على الدخل الإجمالي و على الأرباح الناتجة عن عمليات التصدير٬ و كذا إعفاء رقم الاعمال المحقق من عملية التصدير من الضريبة على النشاط المهني٬ والى غيرها من التحفيزات و التشجيعات٬ كما يحظى المتعاملون في مجال التصدير بعدة امتيازات في المجال الجمركي٬ خاصة منها ما تعلق بالرواق الأخضر و الأولوية في تخليص المعاملات و الإجراءات.
وشدد الوزير الأول أن تنصيب المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، هو إذا ً لبنة جديدة تضاف إلى هذا المسار، وهو إطار مؤسساتي جامع لكل المتدخلين في فعل التصدير، من قطاعات وزارية ومؤسسات وهيئات وممثلي مختلف الغرف والجمعيات المهنية وجمعيات المصدرين في مختلف الشعب، تعكس تركيبته المقاربة التشاركية التي تعتمدها السلطات العمومية في تسيير الشأن الاقتصادي، والآفاق المستقبلية التي تطمح إليها بلادنا في مجال التصدير، من خلال الولوج التام للأسواق الإفريقية والأسواق الأخرى التي توفر فرص نجاح للمنتجين والمنتوج الوطني، من جهة، وتطوير مساهمة اقتصاد المعرفة، لاسيما من خلال المؤسسات الناشئة الجزائرية التي أظهرت قدرات عالية في مجال الابتكار والتنافسية.
هذا المجلس الاستشاري سيشكل، بحكم مهامه الواسعة، أداة الدولة للقيام، بمساهمة كل الشركاء، بما يلي :
1. تحديد وتطوير الصادرات وضبط الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال والاشراف على تجسيدها،
2. تقييم تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية،
3. اقتراح التدابير التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية لتسهيل فعل التصدير وتوسيع مجال الصادرات خارج المحروقات، وتسهيل ولوج المنتوج الوطني للأسواق الخارجية وتعزيز تنافسيته،
4. دراسة التدابير التحفيزية لدعم المصدرين ورفع كل العراقيل، مهما كان نوعها، التي قد تواجه المصدرين الوطنيين،
5. كما سيتولى المجلس، بشكل خاص، متابعة حصيلة نشاط المناطق الحرة واتخاذ كل التدابير التي من شأنها رفع العراقيل التي تعيق عملية التصدير ضمن هذه المناطق.
ولضمان التكفل الأمثل بهذه المهام، وتوخيا ً للفعالية المطلوبة، سيزود المجلس بـ “منصة رقمية للمصدرين”، توضع تحت تصرف المصدرين وكل الشركاء، وتشكل أرضية لطرح كل الانشغالات والشكاوى المرتبطة بفعل التصدير والمعالجة والتكفل السريعين، بل الآني، بهذه الانشغالات والشكاوي من طرف الهيئات والمؤسسات المعنية.
واضاف الوزير الاول أن نجاح مجلسنا هذا في أدار المهام المنوطة به مرتبط إلى حد بعيد بالدور الفعال المنتظر من الشركاء الممثلين فيه بقوة كأعضاء بصلاحيات كاملة، ولاسيما ممثلي جمعيات المصدرين والجمعيات المهنية ورؤساء الغرف الوطنية لمختلف الشعب الاقتصادية، في نقل انشغالات المصدرين بكل امانة والمساهمة في بلورة اقتراحات التدابير العملية والسريعة للتكفل بها.
وبلا شك، وستشكل محطة تحيين الاستراتيجية الوطنية للتصدير، التي نحن مقبلون عليها، الفرصة المناسبة للمجلس لوضع الأرضية المناسبة والشروط الضرورية التي من شأنها السماح بتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي رسمها السيد رئيس الجمهورية فيما يتعلق بمواصلة مسار رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات.