أشرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون اليوم الخميس بقصر الأمم على افتتاح أشغال لقاء الحكومة – الولاة تحت شعار “التنمية المحلية : تقييم وآفاق”، وفي كلمة له استعرض فيها رئيس الجمهورية أهم الملفات التي تبقى تشكل حجر الزاوية في المسار الاقتصادي والتنمية المحلية, مؤكدا بالقول: “نحن ماضون دون هوادة في تعزيز ما تحقق من مكاسب خلال السنوات الثلاث الأخيرة”.
وفي هذا الإطار, خص الرئيس تبون بالذكر المسائل التي تشكل أولوية بالنسبة للحكومة وعلى رأسها تحسين معيشة المواطن وترقية أداء المرافق العامة والخدمة العمومية ورفع العراقيل أمام الاستثمار والدفع بالفلاحة لتحقيق نتائج أفضل مع خلق مناصب الشغل للشباب وإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة وغيرها من متطلبات التنمية المستدامة.
كما لفت في سياق ذي صلة إلى أن هذا اللقاء الذي يجمع بين الجهاز الحكومي والمسؤولين المحليين يرمي إلى “إضفاء الفعالية على أداء الجماعات المحلية وتنفيذ القرارات المتخذة ضمن رؤية جديدة تهدف الى إحداث التغيير اللازم في الذهنيات والمفاهيم للقضاء على الممارسات البيروقراطية والطفيلية”.
ولبلوغ الغايات المتوخاة من القرارات المتخذة ضمن مسعى تسريع سير العمليات المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية, توجه الرئيس تبون إلى الولاة, داعيا إياهم مجددا إلى “التحرر من التردد والتحلي بروح المبادرة والجرأة” في وجه التحديات المتعلقة بالأمن الطاقوي والغذائي والمائي, وهي المرحلة التي “نسعى فيها لتثبيت أسس الحوكمة الجديدة من خلال خلق الظروف المحفزة على ترقية الاستثمار وتنويع مصادر التمويل على مستوى الولايات بالاعتماد على الامكانيات المتوفرة وتحسين أساليب التسيير”.
كما ثمن الجهود التي يبذلها الولاة من أجل “حلحلة المشاكل التي تعيق تسيير بعض المؤسسات الاقتصادية”, الأمر الذي سمح في ظرف وجيز –مثلما قال رئيس الجمهورية– من “خلق المئات من الوحدات الاقتصادية وفتح نحو 52 ألف منصب شغل”, مشددا على ضرورة “الحفاظ على هذه الوتيرة مستقبلا”.
كما انتهز الرئيس تبون هذه المناسبة ليطمئن الولاة بخصوص المحاسبة التي قد يتعرضون لها, مذكرا إياهم بأنه “أخذ شخصيا هواجسهم بعين الاعتبار”, ليشدد على ضرورة التفريق بين الخطأ الإداري والنسبي وكذا الخطأ المقصود.
وحرص رئيس الجمهورية على التنبيه إلى أن الوالي “يحظى بكافة الصلاحيات على مستوى ولايته” وأن لديه “الحق في اتخاذ القرارات التي يرى بأنها مناسبة في كافة القطاعات, باستثناء الدفاع الوطني والبيداغوجيا التربوية”.
وضمن هذا المسعى, ستعرف السنة الجارية “تغيير” قانوني البلدية والولاية, الغاية منه “الوصول الى إرساء دور حقيقي للمنتخب حتى لا يبقى مجرد منفذ لقرارات الدائرة أو الولاية”.
كما سيتم, في ذات الإطار, تكوين المنتخب بصورة دورية حتى يكون على اطلاع على كافة الصلاحيات المخولة له, وهو ما سيمكن من “الابتعاد نهائيا عن القرارات المتسلطة والأحكام الفردية”، يضيف الرئيس تبون.
الجزائر حققت نتائج تحسد عليها بالرغم من الوضع الاقتصادي العالمي المتقهقر
كما ثمن رئيس الجمهورية العمل الذي قام به الولاة ومختلف الوزارات ومؤسسات الدولة في مسار إنقاذ الاقتصاد الوطني، حيث تم “الوصول اليوم إلى نتيجة نحسد عليها ونادرا ما يتم تحقيقها في ظل الوضع الاقتصادي العالمي القائم الذي يعرف تقهقرا اليوم بعد الآخر”.
واستعرض بالمناسبة جملة من المؤشرات التي تؤكد ذلك, أهمها “التقليص من الاستيراد دون حرمان المواطن أو تعريضه للتقشف”, و هو ما تحقق بفضل “إيقاف الاستيراد المزيف”.
وأوضح في هذا الصدد بأنه تم تقليص فاتورة الاستيراد من 63 مليار دولار سنويا إلى نحو 38 مليار دولار، مشيرا الى أن هذا المسار “سيتواصل مستقبلا”.
وبعد أن ذكر بالظروف الاقتصادية المتأزمة التي كانت قد مرت بها الجزائر, شدد الرئيس تبون على أن “الدولة الجزائرية لن تنهار, عكس ما تتوقعه بعض الأطراف وتتناقله على وسائل التواصل الاجتماعي”, مشيرا إلى أن احتياطي الصرف الذي يتجاوز حاليا ال60 مليار دولار “يسمح للجزائر, حتى في حال حدوث أزمة اقتصادية, بالاستيراد لمدة سنتين دون صعوبات، غير أن هذا لا يعني التبذير”, مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة للصادرات, فقد أعرب عن أمله في أن تتضاعف مداخيلها مستقبلا بعد أن “تمكنت الجزائر, لأول مرة في تاريخها, من تصدير ما يقارب 7 مليار دولار خارج المحروقات السنة الفارطة”.
كما أفاد, في الشق ذاته, بأن نسبة النمو قد ارتفعت إلى 1ر4 بالمائة، الأمر الذي تحقق –مثلما اضاف– “بفضل التسهيلات التي استفاد منها قطاع الاستثمار, على أمل أن تتجاوز هذه النسبة 5 بالمائة سنة 2023”.
وتوقف رئيس الجمهورية أيضا عند المنحنى التنازلي الذي تعرفه نسبة التضخم التي تبلغ حاليا “نحو 9 بالمائة”, غير أنها “لا تزال, في نظرنا, في مستوى غير مقبول حتى وإن كانت غير مرتفعة مقارنة بنسب التضخم العالمي”, مثلما ذكر رئيس الجمهورية.
من جهة أخرى, عرج الرئيس تبون على المعركة التي تخوضها الجزائر في سبيل التصدي للمال الفاسد, معربا عن أمله في “إحداث قطيعة نهائية مع أساليب هدر المال العام وسطوة المال الفاسد الذي لا تزال رواسبه المقيتة تغذي بؤر مقاومة التغيير هنا وهناك”.
وشدد, في هذا السياق, على ضرورة التصدي لهذه الممارسات “بكل حزم, وفي ظل سلطة القانون وحفظ هيبة الدولة التي تمارس بأساليب حضارية بعيدا عن التسلط”, ليتابع بالقول: “نحن مجندون اليوم وأكثر من أي وقت مضى لمحاربة ما تبقى من الفساد والمفسدين”.
كما وجه “آخر نداء” لأصحاب الأموال المكدسة يدعوهم فيه إلى ضخها في سلسلة الاقتصاد الوطني وإيداعها في البنوك, مذكرا إياهم بأنه “تم توفير الكثير من الضمانات في هذا الاتجاه”.