في خضم موجة تضخم عالمية خانقة عصفت بدول الجنوب والشمال على حدّ سواء، برزت الجزائر كحالة لافتة في منطقة شمال إفريقيا. فبينما واجهت اقتصادات الجوار ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار، تمكنت الجزائر من خفض معدل التضخم من 9.3% سنة 2023 إلى نحو 4.0% في نهاية 2024، قبل أن يستقر بين 3.7 و3.8% مع بداية عام 2025، حسب تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ويرى عدد من المراقبين والخبراء أن ما تحقق في هذا السياق ليس إنجازًا تقنيًا فحسب، بل يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، بالنظر إلى البيئة الدولية المعقدة التي تتميز باضطرابات في سلاسل الإمداد وتقلبات حادة في أسعار الغذاء والطاقة. ويُجمع هؤلاء على أن الجزائر حققت نتائج “مبهرة على صعيد السيطرة على الأسعار، وهو أمر نادر في المنطقة حاليًا”.
النتائج المحققة جاءت نتيجة مزيج من الإجراءات، أولها تحسن ملحوظ في الأداء الزراعي، لا سيما في ما يخص المنتجات الطازجة، ما خفّف الضغط على أسعار الاستهلاك. ثانيها، اعتماد سياسة نقدية انكماشية قادها بنك الجزائر، مكّنت من تقليص السيولة المتداولة وضبط الطلب الداخلي. أما ثالثها، فهو الاستقرار النسبي في سعر صرف الدينار، والذي خفّف من أثر التضخم المستورد.
وفي سياق موازٍ، شرعت الحكومة في دعم الإنتاج المحلي وتوسيع تمويل المشاريع الاستثمارية المنتجة. فقد تم توجيه موارد بنكية وتمويلات عمومية نحو قطاعات صناعية وفلاحية ذات قدرة على خفض الواردات ورفع القيمة المضافة. كما يجري العمل على تفعيل مشاريع كانت مجمّدة وتبسيط بيئة الأعمال لتشجيع القطاع الخاص على المساهمة الفعلية في النمو.
ويؤكد الخبراء ان “النتائج المحققة مشجعة وأن “ضبط الأسعار يجب أن يستمر من خلال تنويع الاقتصاد، تقليص التبعية للمحروقات، وإصلاح أنظمة الدعم وتوجيهها للقطاعات الإنتاجية”.، كما ان السيطرة على التضخم بحدود 4% تمثل نجاحًا مشهودًا، لكن لن يتحول دلك إلى مكسب مستدام ما لم ترافقه إصلاحات عميقة وهيكلية تشمل تنويع القاعدة الإنتاجية، ترشيد الدعم، وتحفيز الاستثمار الحقيقي.
تصريح للرئيس مند سنة
واقع الأرقام ..متطابق مع توقعات الرئيس
تؤكد المؤشرات الاقتصادية لعامي 2024 و2025 أن توقعات الرئيس عبد المجيد تبون بشأن السيطرة على التضخم وتعزيز قيمة الدينار كانت مبنية على رؤية واقعية وخطة اقتصادية مدروسة. فبعدما بلغ التضخم 9.3% عام 2023، تراجع إلى أقل من 4% مطلع 2025، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، في ظل استقرار نسبي للدينار وتحسن في الإنتاج المحلي.
هذا النجاح يعكس نجاعة السياسات النقدية والمالية التي تبنتها الحكومة، ويدعم التوجه نحو بناء اقتصاد متنوع ومنضبط. ومع استقرار المؤشرات الكلية وتوسيع قاعدة التمويل الإنتاجي، تقترب الجزائر فعليًا من شروط تصنيفها ضمن الدول الناشئة، كما سبق وأعلن الرئيس تبون، في خطوة تعكس تحولًا نوعيًا في مسارها الاقتصادي.