قدم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته يوم الاثنين إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد أقل من شهر على توليه المنصب، ليصبح أقصر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الخامسة التي تأسست عام 1958، وجاءت الاستقالة بعد ساعات فقط من إعلان تشكيلته الحكومية التي واجهت انتقادات حادة من مختلف الأطراف السياسية.
فصل جديد من أزمة الحكم في فرنسا
تمثل استقالة لوكورنو السريعة فصلاً جديداً من أزمة الحكم في فرنسا، التي تواجه اختباراً صعباً لتوازنات النظام السياسي في الجمهورية الخامسة، الاستقالة الأسرع في التاريخ الفرنسي تظهر تعقيد المشهد السياسي وتصاعد حدة الاستقطاب، مما يضع مستقبل البلاد أمام مفترق طرق صعب في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متصاعدة.
استقالة مفاجئة في توقيت دراماتيكي
في مشهد يعكس الأزمة السياسية المستفحلة في فرنسا، أعلن قصر الإليزيه عن استقالة لوكورنو وقبول الرئيس ماكرون لها، وذلك بعد 26 يوماً فقط من تعيينه رئيساً للوزراء خلفاً لفرانسوا بايرو .
وكانت الاستقالة مفاجئة خاصة أنها جاءت بعد يوم واحد فقط من كشف الإليزيه عن التشكيلة الحكومية الجديدة برئاسة لوكورنو، والذي كان من المقرر أن يلقي خطاب السياسة العامة أمام البرلمان الثلاثاء 7 أكتوبر ليشرح نهج حكومته .
تشكيلة حكومية تثير العاصفة
أعلن قصر الإليزيه مساء الأحد عن التشكيلة الحكومية الجديدة التي حافظت على الاستمرارية أكثر مما أحدثت من تغيير، حيث احتفظ 13 وزيراً من الحكومة السابقة بمناصبهم . من أبرز الوزراء الذين احتفظوا بمناصبهم:
· برونو ريتايو: وزير الداخلية
· جيرالد دارمانان: وزير العدل
· إليزابيث بورن: وزيرة التربية والتعليم
· رشيدة داتي: وزيرة الثقافة
كما شملت التغييرات تعيين برونو لومير وزيراً للقوات المسلحة بعد أن كان وزيراً للاقتصاد، وتعيين رولان ليسكيور وزيراً للمالية بدلاً من إريك لومبارد .
ردة الفعل السياسية: عاصفة من الانتقادات
واجهت التشكيلة الحكومية الجديدة انتقادات حادة من جميع الأطراف السياسية، بما في ذلك حلفاء الرئيس ماكرون:
· حزب التجمع الوطني: قال زعيمه جوردان بارديلا إن حزبه “قريب جداً من اتخاذ موقف يصوّت فيه ضد الحكومة” معتبراً أن التشكيلة “تُظهر أنهم لم يفهموا شيئاً من مشكلات البلاد” .
· حزب الجمهوريين: انتقد وزير الداخلية برونو ريتايو التشكيلة قائلاً: “تشكيلة الحكومة لا تعكس الانفصال الموعود عن الماضي” .
· حزب “فرنسا الأبية” اليساري: أعلن أنه سيقدم اقتراحاً بحجب الثقة عن الحكومة بغض النظر عن تركيبتها أو مضمون خطابها .
برلمان منقسم وأزمات مالية
تعيش فرنسا أزمة سياسية عميقة منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها ماكرون العام الماضي، والتي أسفرت عن برلمان منقسم بين ثلاث كتل نيابية متخاصمة، مما يجعل تشكيل حكومة مستقرة مهمة شبه مستحيلة .
وسبق أن أطاح البرلمان بسياسيين شغلا منصب رئيس الوزراء قبل لوكورنو، هما فرانسوا بايرو، وميشيل بارنييه، بسبب مساعيهما للحد من الإنفاق العام في فرنسا، في وقت تراقب فيه وكالات التصنيف الائتماني والمستثمرون عن كثب عجز الموازنة في البلاد، وهو الأكبر في منطقة اليورو .
تداعيات الاستقالة ومستقبل الأزمة
تمثل استقالة لوكورنو بعد ساعات فقط من تشكيل حكومته ضربة جديدة للرئيس ماكرون وسياساته، وتعمق من الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا ، ويواجه ماكرون الآن تحدياً جديداً في البحث عن مرشح قادر على تشكيل حكومة تحظى بقبول برلماني في مشهد سياسي مشتت.